المخلص الثالث: اشتراط كون الإجماع مستندا إلى قاطع، لا إلى أمر مظنون. وإذا اشترط هذا، لم يحصل إجماع على تسويغ الأخذ بكل واحد من القولين، إذ ذلك إنما يكون [من] مسائل الاجتهاد. وقد بينا بطلان هذا أيضًا، وإنما الإجماع حجة قاطعة على الإطلاق.

قالوا: وإذا لم يكن الإجماع عند الظن حجة، فتسويغ الأخذ بكل واحد من القولين مستنده الاجتهاد أيضًا. ولكن هذا يقتضي أن لا يكون القول المرجوع إليه أيضًا حجة، إذ ذلك مستنده الاجتهاد. فإذا حتموا المصير إليه والأخذ به تناقض القول، فيكون حجة في المصير إلى القول الأخير، ولا يكون حجة بالإضافة إلى تسويغ الأخذ بكل واحد من القولين.

المخلص الرابع: أن يقال: النظر إلى الاتفاق الأخير، وأما في الابتداء، فإنما جوزوا الخلاف بشرط أن لا ينعقد الإجماع على تعيين الحق في واحد. وهذا مشكل، فإنه زيادة شرط في الإجماع، والحجج القاطعة لا تحتمل الشرط الذي يمكن أن يكون وأن لا يكون. ولو جاز هذا، لجاز أن يقال إن الإجماع الثاني ليس بحجة، بل إنما يكون حجة بشرط أن لا يكون اتفاق بعد اختلاف، وهذا أولى، لأنه يقطع عن الإجماع الشرط المحتمل.

المخلص الخامس: هو أن الأخير ليس بحجة، ولا [يحرم] المصير إلى القول المرجوع عنه، لأن الإجماع إنما يكون حجة بشرط أن لا يتقدم اختلاف. فإذا تقدم، لم يبق حجة. وعند هذا لا يصح التمسك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تجتمع أمتي على الخطأ). فإن هذا القول يحسم عن الإجماع الشرط، ويثبت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015