نعم، قد يقول القائل: إذا انقرض العصر من غير خلاف ولا إنكار، يقوي غلبة الظن بالموافقة. وهذا غير صحيح على الإطلاق، فإنه قد لا يتفق أن تتكرر الواقعة بحال، فلا تقوى غلبة الظن بالانقراض. وقد تتكرر الواقعة، ولا يظهر خلاف، فيقوى الظن بالموافقة، وإن لم ينقرض العصر. فالصواب أن لا يلتفت إلى انقراض العصر على حال.
وأما ما ذهب إليه الإمام، فأعجب من ذلك كله، وكلامه غير منضبط، فإنه قد حكم أولاً بأن للإجماع صورتين: قطعية وظنية، وقضى بأن الإجماع الظني حجة قاطعة، بناء على قطع الأولين بتبكيت المخالفين. ثم صار في هذا الموضع إلى خلاف هذا الإطلاق، وأبدى تفصيلا يناقض بعضه بعضا، فقال: الإجماع على الحكم، مع التردد في الأصل، لا يعد إجماعا. فكيف يصح الإجماع مع التردد في الأصل؟ إلا أن يريد بالتردد أن القوم غير قاطعين. فإذا كان كذلك، فكيف لا يعد هذا إجماعا؟ ولو كان الإمكان يمنع أن يكون هذا إجماعا، لكان الإمكان في قول الواحد يمنع أن يكون قولا ومذهبا حتى يطول الزمان. ولا ذاهب إليه.