أحدهما - أنا لا نسلم أنهم نهوا بصفة الإجماع، بل كل واحد منهم منهي على انفرداه، وكذلك الأمر بالإيمان والصلاة والصوم والزكاة والحج متوجهة إلى جميع الخلق، لا بصفة أن يجمعوا على فعل ذلك، ولكن يتوجه الأمر على كل واحد على تقدير انفراده، ويكون لفظ الجميع أغنى عن التكرار، والأوامر والنواهي متوجهة إلى كل واحد.
والدليل عليه: أنه لو أطاع البعض، لم يتوجه اللوم لمعصية البعض. ولو كان الاجتماع على العمل مقصودًا للطالب، لم يحصل الامتثال عند الاختلاف. وكذلك يقال هذا في جانب المنهيات. فإنه إن انكف قوم، لحصل الامتناع، وإن خالف الآخرون.
والوجه الثاني: أنه لا يشترط في المنهي عنه أن يكون واقعا، ولا يكون مقدور الوقوع لمن نهي عنه، فإن القدرة عندنا تقارن المقدور، وكم من نهي عن معصية ولم يفعلها، فهو غير قادر عليها، وقد قال الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {لئن أشركت ليحبطن عملك}. وقد علم أن الكفر لا يقع منه. وقد نهى الله تعالى الخلق عن جميع المعاصي، مع العلم بأن جميع المعاصي لا تقع من جميع العباد.
وأما ما تمسكوا به من السنة فقوله: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ). وقوله: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب حتى إن الرجل يحلف وما يستحلف ويشهد وما يستشهد). قالوا: