يظن قوم أن الزيادة على النص نسخ.

وهذا في ظاهره موافق لقول أهل الظاهر، ومخالف لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول. وقد يمكن أن يفرق بينهما، ويقال: إذا كان الحكم الأول ثابتا بطريق لا يتطرق إليه هذا الاحتمال، واشترط في الرافع أن يكون مساويا أو زائدا، فإذا تطريق الاحتمال إلى الرافع بوجوده عن المثبت، لم ينتهض قاطعا لدوامه، ولكن ينبغي على هذا أن ينظر إلى طريق ثبوت الأول، فإن كان بلفظ مثل لفظ الثاني، كقوله: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالاحتمالان في المثبت والرافع على حد سواء، فينبغي أن يقع النسخ بذلك. وإن كان الأول ثابتا بطريق لا يتطرق إليه الاحتمال، استقرت دلالته، وامتنع نسخه بما يضعف عنه. هذا عندي هو الصحيح في ذلك.

ويتطرق إليه احتمال آخر في اقتضائه التعميم: ذهب بعض أصحاب العموم إلى أنه منزل على العموم. وهذا ضعيف، لأن الفعل لا عموم له، والمنهي والمأمور لم يذكر حتى يعرف عموم اللفظ وخصوصه، فهذا تعميم بالتوهم.

وقوله: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يصح أن يكون أمر واحدًا أو جماعة، أو عموم الخلق، والراوي صدق في قوله (أمر) في الجميع، فلا يثبت له عموم بالوهم. وقد قالوا: لو كان أمرا لواحد، أو لأقوام مخصوصين، لذكر الراوي ذلك. قلنا: لفظه لم يتعرض لعموم المأمورين، والصدق يحصل في جميع الأحوال. ومن توهم العموم بغير مستند، فهو متحكم، ولا التفات إلى إزالة تحكم المتحكمين. هذا إذا لم يعرف من عادة الرواي أنه لا يقول: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا إذا أمر الأمة. أما إذا عرف ذلك من عادته، فهو كالتصريح بأمر الجميع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015