وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إِنْ نَظُنُّ بَعْدَ قَبُولِ خَبَرِكُمْ إِلَّا ظَنًّا وَلَيْسَ يُعْطِينَا يَقِينًا اه،
أَيْ فَهُوَ إِبْطَالُهُمْ لِخُصُوصِ قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: السَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا.
وَأَمَّا إِشْكَالُهُ مِنْ جِهَةِ النَّظْمِ فَمَرْجِعُ الْإِشْكَالِ إِلَى اسْتِثْنَاءِ الظَّنِّ مِنْ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ:
إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُفَرَّغَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُفَرَّغًا لِلْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ التَّفْرِيعِ. وَالْخَلَاصُ مِنْ هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ هِشَامٍ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» أَنَّ مُصَحِّحَ الِاسْتِثْنَاءِ الظَّنُّ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هُوَ الظَّنُّ الْمَوْصُوفُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَنْكِيرُهُ مِنَ التَّحْقِيرِ الْمُشْعِرِ بِهِ التَّنْوِينُ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْأَعْشَى:
أَحَلَّ بِهِ الشَّيْبُ أَثْقَالَهُ ... وَمَا اغْتَرَّهُ الشَّيْبُ إِلَّا اغْتِرَارَا (?)
أَيْ، إِلَّا ظَنًّا ضَعِيفًا.
وَمَفْعُولَا نَظُنُّ مَحْذُوفَانِ لِدَلِيلِ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا. وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ نَظُنُّ السَّاعَةَ وَاقِعَةً.
وَقَوْلُهُمْ: وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ يُفِيدُ تَأْكِيدَ قَوْلِهِمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا، وَعَطْفُهُ عَطْفُ مُرَادِفٍ، أَيْ لِلتَّشْرِيكِ فِي اللَّفْظِ. وَالسِّينُ وَالتَّاء فِي بِمُسْتَيْقِنِينَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي حُصُول الْفِعْل.
[33]
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ [الجاثية: 31] بِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِ: فَيُقَالُ لَهُمْ، أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا، أَيْ جُمِعَ لَهُمْ بَيْنَ التَّوْبِيخِ وَالْإِزْعَاجِ فَوُبِّخُوا بِقَوْلِهِ: أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ إِلَى آخِرِهِ، وَأُزْعِجُوا بِظُهُورِ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِمْ، أَيْ ظُهُورِ جَزَاءِ سَيِّئَاتِهِمْ حِينَ رَأَوْا دَارَ الْعَذَابِ وَآلَاتِهِ رُؤْيَةَ مَنْ يُوقِنُ بِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لَهُ وَذَلِكَ بِعِلْمٍ يَحْصُلُ لَهُمْ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْأَهْوَالِ.