وَعَبَّرَ بِالسَّيِّئَاتِ عَنْ جَزَائِهَا إِشَارَةً إِلَى تَمَامِ الْمُعَادَلَةِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَجَزَائِهِ حَتَّى جُعِلَ الْجَزَاءُ نَفْسَ الْعَمَلِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التَّوْبَة: 35] .
وَمَعْنَى حاقَ أَحَاطَ.
وَمَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يَعُمُّ كُلَّ مَا كَانَ طَرِيقَ اسْتِهْزَاءٍ بِالْإِسْلَامِ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الصَّادِرَةِ عَنِ اسْتِهْزَاءٍ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: 32] .
وَقَول العَاصِي بْنِ وَائِلٍ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا فِي الْآخِرَةِ فَأَقْضِي مِنْهُ دَيْنَكَ. وَمِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي جَعَلُوهَا هُزُؤًا مِثْلَ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَشَجَرَةِ الزَّقُّومِ وَهُوَ مَا عُبِّرَ عَنْهُ آنِفًا بِ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا. وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْمَوْصُولِيَّةِ لِأَنَّ فِي الصِّلَةِ تَغْلِيطًا لَهُمْ وَتَنْدِيمًا عَلَى مَا فَرَّطُوا مِنْ أَخْذِ الْعُدَّةِ لِيَوْمِ الْجَزَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِ عَبدة بن الطّيب:
إِنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ إِخْوَانَكُمْ ... يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أَنْ تُصْرَعُوا
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ قَدْ أُودِعُوا جَهَنَّمَ فَأَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا.
وَالْبَاءُ فِي بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى السَّبَبِيَّةِ وَعَلَى تَعديَة فعل يَسْتَهْزِؤُنَ إِلَى مَا لَا يَتَعَدَّى إِلَيْهِ أَي الْعَذَاب.
[34، 35]
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)
لَمَّا أُودِعُوا جَهَنَّمَ وَأَحَاطَتْ بِهِمْ نُودُوا الْيَوْمَ نَنْساكُمْ إِلَى آخِرِهِ تَأْيِيسًا لَهُمْ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ.
وَبُنِيَ فِعْلُ قِيلَ لِلنَّائِبِ حَطًّا لَهُمْ عَنْ رُتْبَةِ أَنْ يُصَرَّحَ بِاسْمِ اللَّهِ فِي حِكَايَةِ الْكَلَامِ الَّذِي وَاجَهَهُمْ بِهِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ آنِفًا وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [الجاثية: 32]