وَالتَّعْرِيفُ فِي السَّاعَةُ لِلْعَهْدِ وَهِيَ سَاعَةُ الْبَعْثِ، أَيْ زَمَانُ الْبَعْثِ كَمَا عُبِّرَ عَنْهُ بِالْيَوْمِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيها بِرَفْعِ السَّاعَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَحْدَهُ بِنَصْبِ وَالسَّاعَةُ عَطْفًا عَلَى إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلٍ وَاحِدٍ. وَمَعْنَى مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ مَا نَعْلَمُ حَقِيقَةَ السَّاعَةِ وَنَفْيُ الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهَا كِنَايَةٌ عَنْ جَحْدِ وُقُوعِ السَّاعَةِ، أَيْ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَا وُقُوعَ لَهَا، اسْتِنَادًا لِلتَّخَيُّلَاتِ الَّتِي ظَنُّوهَا أَدِلَّةً كَقَوْلِهِمْ: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً [الْإِسْرَاء: 49] .
وَقَوله: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ، وَمُبَيَّنٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ وَمَوْقِعُهُ وَمَعْنَاهُ مُشْكِلٌ، وَفِي نَظْمِهِ إِشْكَالٌ أَيْضًا. فَأَمَّا الْإِشْكَالُ مِنْ جِهَةِ مَوْقِعِهِ وَمَعْنَاهُ فَلِأَنَّ الْقَائِلِينَ مُوقِنُونَ بِانْتِفَاءِ وُقُوعِ السَّاعَةِ لِمَا حُكِيَ عَنْهُمْ آنِفًا من قَوْلهم: مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا [الجاثية: 24] إِلَخْ فَلَا يَحِقُّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَظُنُّونَ وُقُوعَ السَّاعَةِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَلَوِ احْتِمَالًا.
وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُطْلَقَ الظَّنُّ هُنَا عَلَى الْإِيقَانِ بِعَدَمِ حُصُولِهِ فَيُعْضَلُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا، فَتَأَوَّلَهُ الْفَخْرُ فَقَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا فَرِيقَيْنِ، وَأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا فَرِيقٌ كَانُوا قَاطِعِينَ بِنَفْيِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِقَوْلِهِ: وَقالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا [الجاثية: 24] . وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ شَاكًّا مُتَحَيِّرًا فِيهِ وَهُمُ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَة اه.
وَأَقُولُ: هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنْ فَرِيقًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَشُكُّونَ فِي وُقُوعِ السَّاعَةِ وَلَا يَجْزِمُونَ بِانْتِفَائِهِ فَإِنَّ جَمْهَرَةَ الْمُشْرِكِينَ نَافُونَ لِوُقُوعِهَا فَلَا يُنَاسِبُ مَقَامَ التَّوْبِيخِ تَخْصِيصُهُ بِالَّذِينِ كَانُوا مُتَرَدِّدِينَ فِي ذَلِكَ. وَالْوَجْهُ عِنْدِي فِي تَأْوِيلِهِ: إِمَّا يَكُونُ هَذَا حِكَايَةً لِاسْتِهْزَائِهِمْ بِخَبَرِ الْبَعْثِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمُ: السَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيها قَالُوا استهزاء إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [الجاثية: 33] .