بِأَسْبَابِ الْوَفَاءِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ جَهُولًا، فَظَلُومٌ مُبَالَغَةٌ فِي الظُّلْمِ وَكَذَلِكَ جَهُولٌ مُبَالَغَةٌ فِي الْجَهْلِ.
وَالظُّلْمُ: الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ وَأُرِيدُ بِهِ هُنَا الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ بِتَحَمُّلِ الْأَمَانَةِ، وَهُوَ حَقُّ الْوَفَاءِ بِالْأَمَانَةِ.
وَالْجَهْلُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِمَا يَتَعَيَّنُ عِلْمُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا انْتِفَاءُ عِلْمِ الْإِنْسَانِ بِمَوَاقِعِ الصَّوَابِ فِيمَا تَحَمَّلَ بِهِ، فَقَوْلُهُ: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا مُؤْذِنٌ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ هُوَ عَلَيْهِ إِذِ التَّقْدِيرُ: وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ فَلَمْ يَفِ بِهَا إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَكَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، أَيْ ظَلُومًا، أَيْ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّهُ إِجْحَافٌ بِصَاحِبِ الْحَقِّ فِي الْأَمَانَةِ أَيًّا كَانَ، وَجَهُولًا فِي عدم تَقْدِيره قَدْرِ إِضَاعَةِ الْأَمَانَةِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ الْمُتَفَاوِتَةِ الْمَرَاتِبِ فِي التَّبِعَةِ بِهَا، وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ لَمْ يَلْتَئِمِ الْكَلَامُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُحَمَّلِ الْأَمَانَةَ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ فُطِرَ عَلَى تَحَمُّلِهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ ظَلُوماً جَهُولًا فِي فِطْرَتِهِ، أَيْ فِي طَبْعِ الظُّلْمِ، وَالْجَهْلِ فَهُوَ مُعَرَّضٌ لَهُمَا مَا لَمْ يَعْصِمْهُ وَازِعُ الدِّينِ، فَكَانَ مِنْ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ أَنْ أَضَاعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْأَمَانَةَ الَّتِي حَمَلَهَا.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ ضَمِيرَ إِنَّهُ عَائِدًا عَلَى الْإِنْسَانِ وَتَجْعَلَ عُمُومَهُ مَخْصُوصًا بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرِ تَخْصِيصًا بِالْعَقْلِ لِظُهُورِ أَنَّ الظَّلُومَ الْجَهُولَ هُوَ الْكَافِرُ.
أَوْ تَجْعَلُ فِي ضَمِيرِ إِنَّهُ اسْتِخْدَامًا بِأَنْ يَعُودَ إِلَى الْإِنْسَانِ مُرَادًا بِهِ الْكَافِرُ وَقَدْ أُطْلِقَ
لَفْظُ الْإِنْسَانِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُرَادًا بِهِ الْكَافِرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مَرْيَم: 66] الْآيَةَ قَوْله: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار: 6] الْآيَاتِ.
وَفِي ذِكْرِ فَعْلِ كانَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ظُلْمَهُ وَجَهْلَهُ وَصْفَانِ مُتَأَصِّلَانِ فِيهِ لِأَنَّهُمَا الْغَالِبَانِ عَلَى أَفْرَادِهِ الْمُلَازِمَانِ لَهَا كَثْرَةً أَوْ قِلَّةً.
فَصِيغَتَا الْمُبَالَغَةِ مَنْظُورٌ فِيهِمَا إِلَى الْكَثْرَةِ وَالشِّدَّةِ فِي أَكْثَرِ أَفْرَادِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ وَالْحُكْمُ الَّذِي يُسَلَّطُ عَلَى الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ وَالْقَبَائِلِ يُرَاعَى فِيهِ الْغَالِبُ وَخَاصَّةً فِي مَقَامِ التَّحْذِيرِ وَالتَّرْهِيبِ. وَهَذَا الْإِجْمَالُ يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ عَقِبَهُ: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ