وَتَوْجِيهُ الْخِطَابِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَنَفْيِ الضُّرِّ. فَيَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِهَذَا الْحَكَمِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ.
وَالْمَسُّ: حَقِيقَتُهُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى جِسْمٍ لِاخْتِبَارِ مَلْمَسِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِصَابَةِ مَجَازًا مُرْسَلًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ
فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ [201] .
وَالْإِرَادَةُ بِالْخَيْرِ: تَقْدِيرُهُ وَالْقَصْدُ إِلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلَا يَتَرَدَّدُ عِلْمُهُ فَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَعَلَهُ، فَإِطْلَاقُ الْإِرَادَةِ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْإِصَابَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ:
يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ. وَقَدْ عَبَّرَ بِالْمَسِّ فِي مَوْضِعِ الْإِرَادَةِ فِي نَظِيرِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [17] وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَلَكِنْ عَبَّرَ هُنَا بِالْإِرَادَةِ مُبَالَغَةً فِي سَلْبِ الْمَقْدِرَةِ عَمَّنْ يُرِيدُ مُعَارَضَةَ مُرَادِهِ تَعَالَى كَائِنًا مَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ التَّعَرُّضَ لِلَّهِ فِي خَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ بِمُجَرَّدِ إِرَادَتِهِ قَبْلَ حُصُولِ فِعْلِهِ، فَإِنَّ التَّعَرُّضَ حِينَئِذٍ أَهْوَنُ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ، وَأَمَّا آيَةُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ فَسِيَاقُهَا فِي بَيَانِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي تَنْزِيهِهِ عَنِ الْمُعَارِضِ وَالْمُعَانِدِ.
وَالْفَضْلُ: هُوَ الْخَيْرُ، وَلِذَلِكَ فَإِيقَاعُهُ مَوْقِعَ الضَّمِيرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ الْوَاصِلَ إِلَى النَّاسِ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُمْ بِهِ لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ إِلَيْهِ يُصِيبُهُمْ بِمَا يَشَاءُ.
وتنكير (ضرّ) و (خير) لِلنَّوْعِيَّةِ الصَّالِحَةِ لِلْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ.
وَكُلٌّ مِنْ جُمْلَةِ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَجُمْلَةِ: فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ جَوَابٌ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مَعَهَا، وَلَيْسَ الْجَوَابُ بِمَحْذُوفٍ.
وَجُمْلَةُ: يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْبَيَانِ لِمَا قَبْلَهَا وَالْحَوْصَلَةِ لَهُ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنْهَا.
وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ عَائِدٌ إِلَى الْخَيْرِ، فَيَكُونُ امْتِنَانًا وَحَثًّا عَلَى التَّعَرُّضِ لِمَرْضَاةِ اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ مِمَّا حَقَّتْ عَلَيْهِمْ مَشِيئَةُ اللَّهِ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِالْخَيْرِ أَوْ يَعُودَ