وَفِي قَوْلِهِ: مِنَ الظَّالِمِينَ مِنْ تَأْكِيدٌ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يُونُس: 105] وَنَظَائِرِهِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْفَرْضِ تَنْبِيهُ النَّاسِ عَلَى فَظَاعَةِ عِظَمِ هَذَا الْفِعْلِ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقِينَ لَكَانَ مِنَ الظَّالِمِينَ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
[الزمر: 65] .
[107]
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)
عَطَفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ [يُونُس: 106] لِقَصْدِ التَّعْرِيضِ بِإِبْطَالِ عَقِيدَةِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْأَصْنَامَ شُفَعَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ، فَلَمَّا أَبْطَلَتِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ أَنْ تَكُونَ الْأَصْنَامُ نَافِعَةً أَوْ ضَارَّةً، وَكَانَ إِسْنَادُ النَّفْعِ أَوِ الضُّرِّ أَكْثَرَ مَا يَقَعُ عَلَى مَعْنَى صُدُورِهِمَا مِنْ فَاعِلِهِمَا ابْتِدَاءً، وَلَا يَتَبَادَرُ مِنْ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ مَعْنَى الْوَسَاطَةِ فِي تَحْصِيلِهِمَا مِنْ فَاعِلٍ، عُقِّبَتْ جُمْلَةُ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ [يُونُس:
106] بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ النَّفْعَ أَوِ الضُّرَّ لِأَحَدٍ لَا يَسْتَطِيعُ غَيْرُهُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْهَا أَوْ يَتَعَرَّضَ فِيهَا إِلَّا مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ بِدُعَاءٍ أَوْ شَفَاعَةٍ.
وَوَجْهُ عَطْفِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ تَغَايُرٍ فِي الْمَعْنَى بِالتَّفْصِيلِ وَالزِّيَادَةِ، وَبِصِيغَتَيِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ: فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَفِي قَوْلِهِ: فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ الدَّاخِلِ فِيهِمَا أَصْنَامُهُمْ وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ، كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّمَرِ [38] أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ.