إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الضُّرِّ، وَالضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فَيَكُونُ تَخْوِيفًا وَتَبْشِيرًا وَتَحْذِيرًا وَتَرْغِيبًا.
وَقَدْ أُجْمِلَتِ الْمَشِيئَةُ هُنَا وَلَمْ تُبَيَّنْ أَسْبَابُهَا لِيَسْلُكَ لَهَا النَّاسُ كُلَّ مَسْلَكٍ يَأْمُلُونَ مِنْهُ تَحْصِيلَهَا فِي الْعَطَاءِ وَكُلَّ مَسْلَك يَتَّقُونَ بوقعهم فِيهَا فِي الْحِرْمَانِ.
وَالْإِصَابَةُ: اتِّصَالُ شَيْءٍ بِآخَرَ وَوُرُودُهُ عَلَيْهِ، وَهِيَ فِي مَعْنَى الْمَسِّ الْمُتَقَدِّمِ، فَقَوْلُهُ:
يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ هُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [17] وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَالتَّذْيِيلُ بِجُمْلَةِ: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ إِعْطَاءَ الْخَيْرِ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ
وَرَحْمَةٌ وَتَجَاوُزٌ مِنْهُ تَعَالَى عَنْ سَيِّئَاتِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَتَقْصِيرِهِمْ وَغَفَلَاتِهِمْ، فَلَوْ شَاءَ لَمَا تَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَتَوَرَّطُوا كُلُّهُمْ.
وَلَوْلَا غُفْرَانُهُ لَمَا كَانُوا أَهْلًا لِإِصَابَةِ الْخَيْرِ، لِأَنَّهُمْ مَعَ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكَمَالِ لَا يَخْلُونَ مِنْ قُصُورٍ عَنِ الْفَضْلِ الْخاَلِدِ الَّذِي هُوَ الْكَمَالُ عِنْدَ اللَّهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ
النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِنِّي لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً»
. وَيُشِيرُ أَيْضًا إِلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ سَيِّئَاتِ عِبَادِهِ الْمُسْرِفِينَ وَلَمْ يُؤَاخِذْهُمْ إِلَّا بِمَا لَا يَرْضَى عَنْهُ بِحَالٍ كَمَا قَالَ: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7] ، وَأَنَّهُ لَوْلَا تَجَاوُزُهُ عَنْ كَثِيرٍ لَمَسَّهُمُ اللَّهُ بِضُرٍّ شَدِيدٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.