بِالِاسْتِعَانَةِ أَيْضًا مَعَ تَخْصِيصِكَ بِالْعِبَادَةِ.
وَالِاسْتِعَانَةُ طَلَبُ الْعَوْنِ. وَالْعَوْنُ وَالْإِعَانَةُ تَسْهِيلُ فِعْلِ شَيْءٍ يَشُقُّ وَيَعْسُرُ عَلَى الْمُسْتَعِينِ وَحْدَهُ، فَهِيَ تَحْصُلُ بِإِعْدَادِ طَرِيقِ تَحْصِيلِهِ مِنْ إِعَارَةِ آلَةٍ، أَوْ مُشَارَكَةٍ بِعَمَلِ الْبَدَنِ كَالْحَمْلِ وَالْقَوْدِ، أَوْ بِقَوْلٍ كَالْإِرْشَادِ وَالتَّعْلِيمِ، أَوْ بِرَأْيٍ كَالنَّصِيحَةِ. قَالَ الْحَرِيرِيُّ فِي الْمَقَامَةِ: «وَخُلُقِيٌّ نِعْمَ الْعَوْنُ» ، أَوْ بِمَالٍ كَدَفْعِ الْمَغْرَمِ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْأَمْرُ بِعَسِيرٍ مِنْ جُهُودِ الْمُسْتَعِينِ وَالْمُعِينِ.
وَأَمَّا الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ فَهِيَ طَلَبُ الْمَعُونَةِ عَلَى مَا لَا قِبَلَ لِلْبَشَرِ بِالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ وَلَا قِبَلَ لِلْمُسْتَعِينِ بِتَحْصِيلِهِ بِمُفْرَدِهِ، وَلِذَلِكَ فَهِيَ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْمُسْتَعِينَ يَصْرِفُ مَقْدِرَتَهُ لِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ وَيَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ الْعَوْنَ عَلَيْهِ بِتَيْسِيرِ مَا لَا قِبَلَ لِقُدْرَةِ الْمُسْتَعِينِ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِمُفْرَدِهِ، فَهَذِهِ هِيَ الْمَعُونَةُ شَرْعًا. وَقَدْ فَسَّرَهَا الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهَا هِيَ خَلْقُ مَا بِهِ تَمَامُ الْفِعْلِ أَوْ تَيْسِيرُهُ، فَتَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ ضَرُورِيَّةٌ أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ الْفِعْلُ عَلَيْهَا فَلَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا أَيْ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ تَوَفُّرِ مُتَعَلِّقِهَا وَهِيَ إِعْطَاءُ الِاقْتِدَارِ لِلْفَاعِلِ وَتَصَوُّرُهُ لِلْفِعْلِ وَحُصُولُ الْمَادَّةِ وَالْآلَةِ، وَمَجْمُوعُ هَاتِهِ الْأَرْبَعَةِ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِطَاعَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِسَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَبِهَا يَصِحُّ تَكْلِيفُ الْمُسْتَطِيعِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي الْمَعُونَةُ غَيْرُ الضَّرُورِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُخَصَّ بِاسْمِ الْإِعَانَةِ وَهِيَ إِيجَادُ الْمُعِينِ مَا يَتَيَسَّرُ بِهِ الْفِعْلُ لِلْمُعَانِ حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِ وَيَقْرُبَ مِنْهُ كَإِعْدَادِ الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ. وَبِانْضِمَامِ هَذَا الْمَعْنَى لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ تَتِمُّ حَقِيقَةُ التَّوْفِيقِ الْمُعَرَّفِ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُ خَلْقُ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِيَةُ إِلَى الطَّاعَةِ، وَسَمَّى الرَّاغِبُ هَذَا الْقِسْمَ الثَّانِيَ بِالتَّوْفِيقِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ كَلَامِهِ وَبَيْنَ تَعْرِيفِهِمْ إِيَّاهُ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْمَعُونَةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَتَمَّ التَّوْفِيقُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا الِاسْتِعَانَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُهِمَّةِ كُلِّهَا الَّتِي أَعْلَاهَا تَلَقِّي الدِّينِ وَكُلِّ مَا يَعْسُرُ عَلَى الْمَرْءِ تَذْلِيلُهُ مِنْ تَوَجُّهَاتِ النُّفُوسِ إِلَى الْخَيْرِ وَمَا يَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْفَضَائِلِ. وَقَرِينَةُ هَذَا الْمَقْصُودِ رَسْمُهُ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَوُقُوعُ تَخْصِيصِ الْإِعَانَةِ عَقِبَ التَّخْصِيصِ بِالْعِبَادَةِ. وَلِذَلِكَ حَذَفَ مُتَعَلِّقَ نَسْتَعِينُ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ مَجْرُورًا بِعَلَى، وَقَدْ أَفَادَ هَذَا الْحَذْفُ الْهَامُّ عُمُومَ الِاسْتِعَانَةِ الْمَقْصُورَةِ عَلَى الطَّلَبِ مِنَ اللَّهِ تَأَدُّبًا مَعَهُ تَعَالَى، وَمِنْ تَوَابِعِ ذَلِكَ وَأَسْبَابِهِ وَهِيَ الْمَعَارِفُ وَالْإِرْشَادَاتُ وَالشَّرَائِعُ وَأُصُولُ الْعُلُومِ فَكُلُّهَا مِنَ الْإِعَانَةِ الْمَطْلُوبَةِ وَكُلُّهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الَّذِي أَلْهَمَنَا مَبَادِئَ الْعُلُومِ وَكَلَّفَنَا الشَّرَائِعَ وَلَقَّنَنَا النُّطْقَ، قَالَ: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [الْبَلَد: 8- 10]- فَالْأَوَّلُ إِيمَاءٌ إِلَى طَرِيقِ الْمَعَارِفِ وَأَصْلُهَا الْمَحْسُوسَاتُ وَأَعْلَاهَا الْمُبْصِرَاتُ، وَالثَّانِي إِيمَاءٌ إِلَى