عَلَيْهَا، فَإِنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ دَالَّةٌ عَلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ شُكْرٌ لِنِعْمَتِهِ.
وَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الشُّكْرُ بِالِازْدِيَادِ مِمَّا عَادَاهُ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ قَالُوا مَقَالَتَهُمُ الشَّنْعَاءَ: إِنَّهُ أَبْتَرُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لِلَّهِ شُكْرٌ لَهُ وَإِغَاظَةٌ لِلَّذِينِ يَنْهَوْنَهُ عَنِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى [العلق: 9، 10] لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نَهَوْهُ عَنِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ لِوَجْهِ اللَّهِ دُونَ الْعِبَادَةِ لِأَصْنَامِهِمْ، وَكَذَلِكَ النَّحْرُ لِلَّهِ.
وَالْعُدُولُ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ فِي قَوْلِهِ: فَصَلِّ لِرَبِّكَ دُونَ: فَصَلِّ لَنَا، لِمَا فِي لَفْظِ الرَّبِّ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْعِبَادَةَ لِأَجْلِ رُبُوبِيَّتِهِ فَضْلًا عَنْ فَرْطِ إِنْعَامِهِ.
وَإِضَافَةُ (رَبٍّ) إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ لِقَصْدِ تَشْرِيفِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقْرِيبِهِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ يَرُبُّهُ وَيَرْأَفُ بِهِ.
وَيَتَعَيَّنُ أَنَّ فِي تَفْرِيعِ الْأَمْرِ بِالنَّحْرِ مَعَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ الْكَوْثَرَ خُصُوصِيَّةً تُنَاسِبُ الْغَرَضَ الَّذِي نَزَلَتِ السُّورَةُ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْأَمْرَ بِالنَّحْرِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [97، 98] .
وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَدِّ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُ عَنِ الْبَيْتِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ أَعْطَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا، أَيْ قَدَّرَهُ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي لِتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ كَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الْفَتْح: 1] فَإِنَّهُ نَزَلَ فِي أَمْرِ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَدْ قَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَفَتْحٌ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ قَوْلَهُ: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ أَمْرٌ بِأَنْ يُصَلِّيَ وَيَنْحَرَ هَدْيَهُ وَيَنْصَرِفَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَأَفَادَتْ اللَّامُ مِنْ قَوْلِهِ: لِرَبِّكَ أَنَّهُ يخص الله بِصَلَاتِهِ فَلَا يُصَلِّي لِغَيْرِهِ. فَفِيهِ تَعْرِيض بالمشركين بِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ لِلْأَصْنَامِ بِالسُّجُودِ لَهَا وَالطَّوَافِ حَوْلَهَا.
وَعَطْفُ وَانْحَرْ عَلَى فَصَلِّ لِرَبِّكَ يَقْتَضِي تَقْدِيرَ مُتَعَلِّقِهِ مُمَاثِلًا لِمُتَعَلِّقِ