فَصَلِّ لِرَبِّكَ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ [مَرْيَم: 38] أَيْ وَأَبْصِرْ بِهِمْ، فَالتَّقْدِيرُ: وَانْحَرْ لَهُ. وَهُوَ إِيمَاءٌ إِلَى إِبْطَالِ نَحْرِ الْمُشْرِكِينَ قُرْبَانًا لِلْأَصْنَامِ فَإِنْ كَانَتِ السُّورَةُ مَكِّيَّةً فَلَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اقْتَرَبَ وَقْتُ الْحَجِّ وَكَانَ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَبَعْدَهَا قد تَرَدَّدَ فِي نَحْرِ هَدَايَاهُ فِي الْحَجِّ بَعْدَ بَعْثَتِهِ، وَهُوَ يَوَدُّ أَنْ يُطْعِمَ الْمَحَاوِيجَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ يَحْضُرُ فِي الْمَوْسِمِ وَيَتَحَرَّجُ مِنْ أَنْ يُشَارِكَ أَهْلَ الشِّرْكِ فِي أَعْمَالِهِمْ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْحَرَ الْهَدْيَ لِلَّهِ وَيُطْعِمَهَا الْمُسْلِمِينَ، أَيْ لَا يَمْنَعُكَ نَحْرُهُمْ لِلْأَصْنَامِ أَنْ تَنْحَرَ أَنْتَ نَاوِيًا بِمَا تَنْحَرُهُ أَنَّهُ لِلَّهِ.
وَإِنْ كَانَتِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةً، وَكَانَ نُزُولُهَا قَبْلَ فَرْضِ الْحَجِّ كَانَ النَّحْرُ مُرَادًا بِهِ الضَّحَايَا يَوْمَ عِيدِ النَّحْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إِنَّ قَوْلَهُ: فَصَلِّ لِرَبِّكَ مُرَادٌ بِهِ صَلَاةُ الْعِيدِ،
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ شَيْءٌ.
وَأَخَذُوا مِنْ وُقُوعِ الْأَمْرِ بِالنَّحْرِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الضَّحِيَّةَ تَكُونُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ فَالْأَمْرُ بِالنَّحْرِ دُونَ الذَّبْحِ مَعَ أَنَّ الضَّأْنَ أَفْضَلُ فِي الضَّحَايَا وَهِيَ لَا تُنْحَرُ وَأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُضَحِّ إِلَّا بِالضَّأْنِ تَغْلِيبٌ لِلَفْظِ النَّحْرِ وَهُوَ الَّذِي رُوعِيَ فِي تَسْمِيَةِ يَوْمِ الْأَضْحَى يَوْمَ النَّحْرِ وَلِيَشْمَلَ الضَّحَايَا فِي الْبَدَنِ وَالْهَدَايَا فِي الْحَجِّ أَوْ لِيَشْمَلَ الْهَدَايَا الَّتِي عُطِّلَ إِرْسَالُهَا فِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا. وَيُرَشِّحُ إِيثَارَ النَّحْرِ رَعْيُ فَاصِلَةِ الرَّاءِ فِي السُّورَةِ. وَلِلْمُفَسِّرِينَ الْأَوَّلِينَ أَقْوَالٌ أُخَرُ فِي تَفْسِيرِ «انْحَرْ» تَجْعَلُهُ لفظا غَرِيبا.
[3]
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
اسْتِئْنَافٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلًا لِحَرْفِ إِنَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِرَدِّ الْإِنْكَارِ يَكْثُرُ أَنْ يُفِيدَ التَّعْلِيلَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [32] .
وَاشْتِمَالُ الْكَلَامِ عَلَى صِيغَةِ قَصْرٍ وَعَلَى ضَمِيرِ غَائِبٍ وَعَلَى لَفْظِ الْأَبْتَرِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ