ألا فليعلم كل جندي في المعركة الإسلامية أن من حقه أن يعترض هذا الاعتراض على قيادته إن انسحبت من المعركة وتركته يتلوى وحده في النار. إن كل قطرة دم تراق بأمر القيادة أو من جراء أمرها هي في عنق هذه القيادة ستسأل عنها يوم الدين. فيم أراقتها، وفيم لم تحافظ عليها من الضياع.
وماذا كان جواب سيد الخلق لجنديه ابن التيهان؟ قال له: بل الدم الدم، والهدم الهدم. أنا منكم وأنتم مني. أحارب من حاربتم، وأسالم من سالتم. ويا له من جواب خالد تردده أصداء الوجود.
القيادة جزء من القاعدة، والقاعدة جزء من القيادة. شركاء متلاحمون منصهرون في المغرم والمغنم، دمهم واحد ومصيرهم واحد، ونكبتهم واحدة، وحملهم واحد. بل أكثر من ذلك أحارب من حاربتم وأسالم من سالتم.
لقد أبدى رسول الله صلى الله عليه وسلم استعداده وهو الطرف القائد المفاوض أن يشهر الحرب على من حارب جنده، ويسالم من سالمهم. جعلهم الأصل في الحرب والسلم.
9 - وعلى هذا الأساس من المفاوضات كان لا بد أن يظهر الوجه المقابل للصورة التي عرضها ابن التيهان رضي الله عنه. ولم يحمل لواءها رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنما حمل لواءها واحد من طرف المفاوضين.
وإذا رأينا في الفقرة السابقة عظمة القيادة وتضحيتها وواجباتها. فما هي واجبات القاعدة مقابل ذلك؟
يقول العباس بن عبادة بن نضلة: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس. فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن، فهو والله خزي الدنيا والآخرة. وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فهو والله خير الدنيا والآخرة.