فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم. أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالتم.
ويا لها من مفاوضات نادرة المثال في التاريخ بين جندي وقائد بين مسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم. إن طبيعة المعركة تقتضي أوضاعا جديدة. وإن حمل السلاح يعني الحرب الضروس التي تأكل كل شيء.
فالحركة الإسلامية قبل أن تتبنى الجهاد وقبل أن تحمل السلاح. كانت آمنة، شبابها في وظائف الدولة يملؤون فجاجها. بل ومرت مرحلة وصل بعضهم إلى مجلس الشعب- كما يسمونه- ولكن في خدمة النظام الجاهلي الكافر. بل ولم يكن أحد يعلن أنه جزء من الحركة الإسلامية أو فرد في تنظيم الإخوان المسلمين إلا بالظنة والتهمة. هذا واقع قبل البيعة.
أما بعد البيعة على الجهاد. فانقلبت الصورة كاملة. إن مجرد الظنة باشتراك فرد أو بل شروعه أو بل تفكيره بالانضمام إلى التنظيم المسلح يعني الحكم بإعدامه وإبادته ويعني الحكم بإبادة عائلته وأقاربه كذلك.
فهل يحق للقيادة بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد أن تتخلى عن هذا الطريق وتترك جنودها يبادون وحدهم في العراء. أن تصالح لنفسها أو تأخذ أمانا لنفسها وتترك الفاجعة على كل شبابها وشيبها.
هذا هو مفهوم اعتراض أبي الهيثم بن التيهان رضي الله عنه. لأن قطع العهود مع يهود يعني إعلان الحرب عليهم، فإذا تخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ومضى إلى قومه في مكة فهذا يعني ترك المسلمين تحت رحمة يهود يفعلون بهم الأفاعيل بل يستأصلون أخضرهم ويابسهم، إذا كان من حق أبي الهيثم أن يناقش رسول رب العالمين بهذا الأمر فأي قيادة في الدنيا مهما ارتفعت لا تناقش فيه؟ وأي قائد في هذا الوجود لا يحاسب عليه.