فالجوابُ عن السؤالِ الأول من وَجهين:
أحدُهما: لا نسلّمُ ضَعف الاقتضاءِ والمُقتضى بل هما في غايةِ القوّةِ وذلك أن الخبرَ في باب ((إنّ)) وأخواتها لا يسوغُ حَذفه إلاّ أنْ يكونَ في الكلامِ دليلٌ عليه، والمفعولُ الصحيحُ يَسوغُ حَذفه كقولِكَ: ((ضُربَ زيدٌ)) و ((ظُنَّ عمرو)) وذلك يدل في ((إنَّ)) على قوّةِ الاقتضاءِ كما أن الجازِمَ لا يَحذِفُ المَجزوم به.
والوجهُ الثاني: نُسلّم أن اقتضاءَ الفعلِ أَقوى من اقتضاءِ ((أنّ)) ولكن لا يَمنع من العملِ فيما يقتَضيه، ألا تَرى أن اسمَ الفاعلِ والمفعولِ وأسماءَ الفعل الفعل تعملُ لشبهها بالفعلِ، ومع ذلك تَعمل النَّصب والرّفع كقولك: ((زيدٌ ضاربٌ أَبوه عمراً))، ومُعطي غُلامه دِرْهَماً، وتراكِ زيداً فكذلك هذا. قولهم: يَرتفع الخَبرُ بمعنى الابتِداء قلنا: معنى الابتداء قد زالَ، وبيانهُ من وَجهين:
أحدُهما: أنَّ المبتدأ ما يسندُ إليه الخبر، والخبرُ غيرُ مسندٍ إلى الاسمِ، ولا إلى الحرفِ والاسمِ.
والثَّاني: أنَّ معنى الابتداء قد زالَ في كأنَّ، وليتَ، ولعلَّ، وإذا زالَ المعنى لم يبقَ للرفعِ عاملٌ.
أما شُبهة القول الثاني: [فـ] أنَّ إنَّ فرعٌ في العمل فَوَجَبَ أن تَقْصِرَ عن العاملِ الأَصليّ وهو الفِعلُ؛ إذ من شأن الفُروعِ أن تَنْحَطَّ عن الأُصولِ، ويدُلُّ على ذلك مَسائلُ: