{واتخذ سبيله} فِي هَاءِ الْكِنَايَةِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْحُوتِ. وَالثَّانِي:
إِلَى مُوسَى , اتَّخَذَ سَبِيلَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ , أَيْ دَخَلَ فِي مَدْخَلِهِ فَرَأَى الْخَضِرَ. فَعَلَى الأَوَّلِ: الْمُخْبِرُ يُوشَعُ وَعَلَى الثَّانِي الْمُخْبِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ مُوسَى: " {ذلك ما كنا نبغ} " أَيِ الَّذِي كُنَّا نَطْلُبُ مِنَ الْعَلامَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَطْلُوبِنَا , لأَنَّهُ كَانَ قَدْ قِيلَ لَهُ: حيث تفقد الحوت تجد الرجل.
{فارتدا} أي رجعا في الطريق التي سلكاها يقصان الأثر. {فوجدا عبدا من عبادنا} وهو الخضر. قال وهب: اسمه اليسع. وقال ابْنُ الْمُنَادِي: أَرْمِيَا.
وَفِي تَسْمِيَتِهِ بِالْخَضِرِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَاهْتَزَّ مَا تَحْتَهُ خَضِرًا. رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْفَرْوَةُ: الأَرْضُ الْيَابِسَةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَلَسَ اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ. قَالَهُ عِكْرِمَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ إِذَا صَلَّى اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ.
وَهَلْ كَانَ نَبِيًّا؟ فِيهِ قَوْلانِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {آتَيْنَاهُ رحمة من عندنا} أي نعمة {وعلمناه من لدنا} أي من عندنا {علما} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُعْطِيَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ.
{قال له موسى هل أتبعك} وَهَذَا تَحْرِيضٌ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَحَثٌّ عَلَى الأدب والتواضع المصحوب , وَإِنَّمَا قَالَ الْخَضِرُ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صبرا} لأَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ. وَالْخَبَرُ: الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ. وَالْمَعْنَى: أَنْتَ تُنْكِرُ ظَاهِرَ مَا تَرَى وَلا تَعْلَمُ بَاطِنَهُ. فَلَمَّا رَكِبَا السَّفِينَةَ قَلَعَ الْخَضِرُ مِنْهَا لَوْحًا فَحَشَاهَا مُوسَى بِثَوْبِهِ وَأَنْكَرَ عليه بقوله: {أخرقتها} وَالإِمْرُ: الْعَجَبُ.
ثُمَّ اعْتَذَرَ بِقَوْلِهِ: {لا تُؤَاخِذْنِي بما نسيت} وَفِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ نَسِيَ حَقِيقَةً.