أَيْ أَثْقَلَتْكَ. وَمَعْنَى الآيَةِ لا أَزَالُ أَسِيرُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَيْ مُلْتَقَاهُمَا ,
وَهُوَ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلِقَاءِ الْخَضِرِ فِيهِ. قَالَ قَتَادَةُ: بَحْرَ فَارِسَ وَبَحْرَ الرُّومِ فَبَحْرُ الروم نحو الغرب وبحر فارس نحو الشرق.
وَفِي اسْمِ الْبَلَدِ الَّذِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: إِفْرِيقِيَّةُ. قَالَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. وَالثَّانِي: طَنْجَةُ. قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ.
قَوْلُهُ تعالى: {أو أمضي حقبا} وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ {حُقْبًا} بِإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُمَا لُغَتَانِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْحُقُبُ: الدَّهْرُ. يُقَالُ حُقُبٌ وَحُقْبٌ , كَمَا يُقَالُ قُفْلٌ وَقُفُلٌ , وَأُكُلٌ وَأُكْلٌ , وَعُمُرٌ وَعُمْرٌ. وَمَعْنَى الآيَةِ: لا أَزَالُ أَسِيرُ وَلَوِ احْتَجْتُ أَنْ أَسِيرَ حُقُبًا.
{فَلَمَّا بلغا} يَعْنِي مُوسَى وَفَتَاهُ {مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} وَكَانَا قَدْ تَزَوَّدَا حُوتًا مَالِحًا فِي مِكْتَلٍ , فَكَانَا يُصِيبَانِ مِنْهُ عِنْدَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ , فَلَمَّا بَلَغَا هُنَاكَ وَضَعَ يُوشَعُ الْمِكْتَلَ فَأَصَابَ الْحُوتَ بَلَلُ الْبَحَرِ فَعَاشَ وَاسْتَرَبَ فِي الْبَحْرِ , وَقَدْ كَانَ قِيلَ لِمُوسَى تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا فَإِذَا فَقَدْتَهُ وَجَدْتَ الرَّجُلَ.
وَكَانَ مُوسَى حِينَ ذَهَبَ الْحُوتُ قَدْ مَضَى لِحَاجَةٍ , فَعَزَمَ يُوشَعُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا جَرَى فَنَسِيَ , وَإِنَّمَا قِيلَ {نَسِيَا} تَوَسَّعَا فِي الْكَلامِ , لأَنَّهُمَا جَمِيعًا تَزَوَّدَاهُ. وَمِثْلُهُ: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَالِحِ لا مِنَ الْعَذْبِ.
{فاتخذ سبيله في البحر سربا} أَيْ مَسْلَكًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ الْحُوتُ لا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلا يَبِسَ حَتَّى يَكُونَ صَخْرَةً. وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمَاءَ صَارَ مِثْلَ الطَّاقِ عَلَى الحوت.
{فلما جاوزا} ذَلِكَ الْمَكَانَ أَدْرَكَهُمَا النَّصَبُ فَدَعَا مُوسَى بِالطَّعَامِ فَقَالَ يُوشَعُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فإني نسيت الحوت} فِيهِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: نَسِيتُ أَنْ أُخْبِرَكَ خَبَرَ الْحُوتِ. وَالثَّانِي: نَسِيتُ حَمْلَ الْحُوتِ.