وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلامِ , تَقْدِيرُهُ: لا تُؤَاخِذْنِي بِنِسْيَانِي الَّذِي نَسِيتُ فِي عُمْرِي , فَأَوْهَمَهُ بِنِسْيَانِ هَذَا الأَمْرِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّرْكِ. وَالْمَعْنَى: لا تُؤَاخِذْنِي بِتَرْكِي مَا عَاهَدْتُكَ عَلَيْهِ. وترهقني بِمَعْنَى تُعْجِلُنِي. وَالْمَعْنَى: عَامِلْنِي بِالْيُسْرِ.
فَلَمَّا لَقِيَا الْغُلامَ قَتَلَهُ الْخَضِرُ , وَهَلْ كَانَ بَالِغًا أَمْ لا؟ فِيهِ قَوْلانِ. وَفِي صِفَةِ قَتْلِهِ إِيَّاهُ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ اقْتَلَعَ رَأْسَهُ , وَهُوَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِي: كَسَرَ عُنُقَهُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ بِسِكِّينٍ. قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
{قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً} وقرأ ابن عامر: زكية. قَالَ الْكِسَائِيُّ: فِيهَا وَجْهَانِ كَالْقَاسِيَةِ وَالْقَسِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ: الزَّاكِيَةُ الَّتِي لَمْ تُذْنِبْ. وَالزَّكِيَّةُ الَّتِي أَذْنَبَتْ ثُمَّ تَابَتْ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الزَّاكِيَةُ فِي الْبَدَنِ وَالزَّكِيَّةُ فِي الدين.
قوله تعالى: {بغير نفس} أي بغير قتل نَفْسٍ , وَالنُّكْرُ: الْمُنْكَرُ.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} إن قيل: لم ذكر لفظة {لك} ها هنا وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الأُولَى؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذَكَرَهَا لِلتَّوْكِيدِ وَتَرَكَهَا لِوُضُوحِ الْمَعْنَى , وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ قُلْتُ لَكَ اتَّقِ اللَّهَ. وَقَدْ قُلْتُ لَكَ يَا فُلانُ اتَّقِ اللَّهَ. يَا هَذَا أَطِعْنِي وَانْطَلِقْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُوَاجَهَةَ بِكَافِ الْخِطَابِ نَوْعٌ حَطَّ مِنْ قَدْرِ التَّعْظِيمِ , فَلَمَّا كَانَتِ الأُولَى مِنْهُ نِسْيَانًا فَخَّمَ خِطَابَهُ بِتَرْكِ كَافِ الْخِطَابِ [وَلَمَّا كَانَتِ الثَّانِيَةُ عَمْدًا جَازَاهُ] بِالْمُوَاجَهَةِ بِكَافِ الْخِطَابِ.