لجاء كتاب مفرد، ولا ريب أنهما على ترتيب حسن، وتهذيب أنيق، وهذا المختصر لم نراع فيه هذين الأمرين فليكن ذلك على ذكر منك.
ويالله العجب من أهل ملة الإسلام! إنهم قعدوا عن إدراك العلوم والفنون، وتركوا قواعد التأليف والتحقيق مع حدودها والرسوم.
والذين ليسوا من أهل جلدتنا، ولا من أصحاب ملتنا، قد اعتنوا بجميع الكمالات، وفاقوا فيها غالب أهل الصناعات؛ بحيث لا يلحق شأوَهم أحدٌ من العُصبة الحاضرة، والجماعة الموجودة من الناس المختلفين مذهبًا ومشربًا، وهذا من عجائب قدر اللَّه وقواه، فاللَّه - سبحانه وتعالى - يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
ولد بالجزيرة، ونشأ بها، ثم سار إلى الموصل، وسكن بها، وسمع بها من أبي الفضل الخطيب الطوسي ومَنْ في طبقته، وقدمَ بغدادَ مرارًا حاجًّا ورسولًا من صاحب الموصل، ثم رحل إلى الشام والقدس، وسمع هناك من جماعة، ثم عاد إلى الموصل، ولزم بيته منقطعًا إلى التوفر على النظر في العلم والتصنيف.
وكان بيته مجمعَ الفضل لأهل المَوْصل والواردين عليها، وكان إمامًا في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، وحافظًا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيرًا بأنساب العرب وأيامهم ووقائعهم وأخبارهم، وله كتاب "أخبار الصحابة" في ست مجلدات كبار.
قال ابن خلكان: واجتمعت به، فوجدته رجلًا مكملًا في الفضائل وكرم الأخلاق وكثرة التواضع، فلازمت التردد إليه.
وكانت ولادته سنة 555، بجزيرة ابن عمر، وهو من أهلها، وتوفي سنة 630 بالموصل.