وكان كثيرَ الوقوع في العلماء المتقدِّمين، لا يكاد يسلَم أحد من لسانه، فنفرت عنه القلوب، واستهدف لفقهاءِ وقته، فتمالؤوا على بغضه، وردُّوا قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوَا عوامَّهم عن الدنوِّ منه، والأخذ عنه، فأقْصَتْه الملوك، وشردته عن بلاده، حتى انتهى إلى بادية لِبلى، فتوفي بها آخر نهار الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة 456، وقيل: إنه توفي في "منت ليشم"، وهي قرية ابن حزم المذكورة - رحمه اللَّه -.

وكانت ولادته بعد طلوع الفجر، وقبل طلوع الشمس يوم الأربعاء سلخَ رمضان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، قاله ابن صاعد.

وفيه قال أبو العباس بن العريف: كان لسانُ ابن حزم وسيفُ الحجاج بنِ يوسف الثقفي شقيقينِ، وإنما قال ذلك؛ لكثرة وقوعه في الأئمة.

وكانت وفاة والده أبي عمر أحمد في سنة 402، وكان وزيرَ الدولة العامرية، وهو من أهل العلم والأدب والبلاغة والخير. وقال ولده أبو محمد المذكورُ: أنشدني والدي الوزيرُ في بعض وصاياه لي - رحمه اللَّه تعالى -:

إذا شئتَ أن تَحْيا غنيًا فلا تكنْ ... على حالةٍ، إلا رضيتَ بِدونِها

وكان لأبي محمد المذكور ولدٌ نبيهٌ سريٌّ فاضلٌ يقال له: أبو رافع، الفضلُ بنُ أبي محمد، وكان في خدمة المعتمد بن عباد، صاحبِ إِشبيلية وغيرِها من بلاد الأندلس، وقُتل أبو رافع المذكورُ في وقعة الزَّلَّاقة مع مخدومه المعتمِد في سنة 479 الهجرية.

ولبله: بلدة بالأندلس، ومنت ليشم - بالشين -: قرية من أعمال لبله، كانت ملكَ ابن حزم، وكان يتردد إليها، واللَّه أعلم.

قال المقري في "نفح الطيب" في ترجمته الشريفة: قال ابن حيان وغيرُه: كان ابن حزم صاحبَ حديثٍ وفقهٍ وجَدَل، وله كتب كثيرة في المنطق والفلسفة، وكان شافعيَّ المذهب، يناضل الفقهاء عن مذهبه، ثم صار ظاهريًا، فوضع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015