رمضان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، في الجانب الشرقي منها.
وكان حافظًا عالمًا بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة، بعد أن كان شافعيَّ المذهب، فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر.
وكان متفننًا في علوم جمَّة، عاملًا بعلمه، زاهدًا في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك، متواضعًا، ذا فضائل جمة، وتواليف كثيرة، وجمع من الكتب في علوم الحديث والمصنفات والمسندات شيئًا كثيرًا، وسمع سماعًا جمًّا.
وألف في فقه الحديث كتابًا سماه: "الإيصال إلى فهم الخصال" الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع.
أورد فيه أقوالَ الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم من أئمة المسلمين - رضي اللَّه عنهم أجمعين - في مسائل الفقه والحجة لكل طائفة وعليها، وهو كتاب كبير.
وله كتاب "الإحكام لأصول الأحكام" في غاية التقصِّي وإيراد الحجج، وكتاب "في الإجماع ومسائله" على أبواب الفقه.
قال ابن بشكوال في حقه: كان أبو محمد أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهم معرفةً، مع توسُّعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة والسير والأخبار، أخبرَ ولدُه أبو رافع الفضلُ: أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو أربع مئة مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
وقال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن فتوح الحميدي: ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء، وسرعة الحفظ، وكرم النفس، والتدين، وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، ثم قال: ومن شعره:
وَذي عَذَلٍ فيمن سَباني حسنُه ... يُطيلُ مَلامي في الهوى ويقولُ
أفي حسنِ وَجْهٍ لاحَ لم ترَ غيرَه ... ولم تدرِ كيفَ الجسمُ أنتَ قتيلُ
فقلتُ له أسرفتَ في اللوم ظالمًا ... وعندي ردٌّ لو أردت طويلُ
ألم ترَ أنِّي ظاهريٌّ وأنني ... على ما بدا حتى يقومَ دليلُ