المنازعات، وإصدار الأحكامات، وإيراد المثالات، من غير اقتراح مني ولا اختيار، ولا بد واقع ما قضى الرحمن من الأقضية والأقدار، ومع ذلك لم أدعْ جهدي الاشتغالَ بالعلم، وإن كان اشتغالي الآن بالنسبة إلى ما كان كلا شيء. وكان ابتلائي هذا بذاك، وأنا بين الثلاثين والأربعين من العمر المستعار، ووجدت علماء عصرنا هذا من أهل الهند، اتخذوا علومَ الفلسفة وفنونَ يونان، وهم معرِضون عن الاشتغال بالحديث والقرآن. ورأيت من بينهم أقربَ إلى الدين واتباع سنة سيد المرسلين، قومًا ينتسبون إلى إرادة السيد أحمد البريلوي من مريدي الشيخ العلامة عبد العزيز المحدِّث الدهلوي، فإنهم على هدى مستقيم، وطريق قويم، وهَدى الله بهم طوائف كثيرة، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، ولكن الآن اكثرُهم درجوا في خبر كان، وذهب ما كان بهم من العمل والعلم والكمال، وعاد إلى بقيتهم النقصان، ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ، وهو المستعان في كل آن.

وكذلك آلَ حالُ الزمان في مدائنَ أخرى من البلاد الإسلامية، التي كانت ديار العلم وبقاعَها؛ فإن قُصارى هممِ علمائها الجمودُ على التقليد، والاشتغال بعلوم الأوائل من أهل يونان، وفلسفتهم المبنية على خطوات الشيطان، وعدم الالتفات إلى علوم الحديث والقرآن، مع تعصب كثير لأحبارهم الرهبان، ورَدًّ وتعقُّبِ وجَرْحٍ وقَدْحٍ على الأكابر والأعيان، ومكابرةٍ وتعسُّفٍ وحسدٍ وبغضٍ وحقدٍ مع أهل الحق والإيقان، وأصحابِ الإيمان والإحسان، وهذا لا شك من أشراط الساعة الكبرى.

وكذلك صار حال أهل الدول الإسلامية، وأولي الأمر وولاة العصر في هذا الزمان؛ فإنهم كلَّهم - إلا ما شاء الله تعالى - سفهاء، وحُمقاء العقول لا عقلَ لهم، ولا دينَ ولا فكرةَ في أمر دنياهم، ولا عبرةَ من حال الآخرة، لا يفقهون حديثًا، ولا يفهمون شيئًا، ولا يهتدون سبيلاً، حتى صاروا لُكَعَ بنَ لُكَعَ، وعادُوا لا يعرفون الوِتْرَ من الشفع، والجهلُ أحبُّ إليهم من العلم بكثير، وهم عن أهل العلم على مد [ى] بعيد ومسير كبير. ومع ذلك يرون أنفسَهم أعقلَ أهلِ زمانهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015