بالسلف الصالح في كل أمر قديم وحديث، لم أره ولم يرني، ولم أعرفه ولم يعرفني، بيد أنه راسلني منذ شهر صفر سنة 1298، ثمان وتسعين بعد الألف والمئتين من إسلامبول، وذكر أنه من قطر نجد، ومولده النعام، وموطنه الشريف ذاك المقام، وظهر لي من مهارقه الشريفة: أنه ذو علم نافع، وفَهم لامع، وفضل ساطع، يقتدي بالسنة الصحيحة والقرآن، ولا يقلد أحدًا من الأحبار والرهبان، له شغلة وافية بالتفسير، وهمة عالية في درك الحقائق من حديث البشير والنذير، يلوح من كتبه أنوار الفضيلة والاستقامة، وأنه من أهل المجد والكرامة - حفظه الله، وأحله يوم القيامة في دار المقامة -.

وقد طلبت منه الترجمة للتحرير في هذا الكتاب، كما طلب مني جملة صالحة من مؤلفاتي التي أحسن الظنون بها أولو الألباب، واستجازني، فأتحفته بتفسيري "فتح البيان"، وكتابي "إكليل الكرامة"، و"ظفر اللاضي"، وغير ذلك مما كان هنالك، وأجزته، وكتب إليّ خطًا جوابًا على طلبي لترجمته الشريفة، فوددت أن أثبت تلك الخطوط مرتبًا مع إجازتي له؛ إشاعةً لآدابه في مطاوي كتابه، وإذاعة لعلو همته في أسوة السنة السنية، الظاهرة الواضحة من مراسلاته البهية، وهذا يرشدك إلى أن الدنيا - وإن كانت ملئت بالجور والمظلمة، والآفات والملحمة -، ولكن فيها من خبايا في زوايا، ومن العلم والدين، وحب التقوى وإيثار الحق على الخلق، وترك التقليد، وقوة اليقين بقايا، وسمعت أنه ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو على ذلك أينما كان وعند من كان قائم ودائم، وعن مفطرات الديانة والأمانة والتقاوة صائم، كَثَّر الله في الزمان من أمثاله، وصانه عن تبعات الزمن وأهواله.

وهذا الخط، وهو خطه الأخير، الذي جاءني منه عند بلوغ هذا المختصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015