وأما مقروءاته من تفسير وحديث، وفقه وتصوف، وآلات ذلك، فشيء واسع جدًا.

قال السيد عبد الرحمن في "النفس اليماني": قرأت عليه عدة مقروءات، منها: "صحيح مسلم" مع شرح النووي، و"رسالة القشيري" مع شرح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وتصدَّرَ لإملاء "صحيح البخاري" المعتاد، أملاه في الشهر الأصم الأصب شهرِ الله رَجَب، ويجتمع مع إملائه عدة من العلماء الأعيان، وتقع مذاكرات مفيدة، ومباحث عديدة.

وكان - رحمه الله - على جانب عظيم من لين الجانب، ورحب الصدر، واتباع السنة، وكمال التواضع، وبشاشة الوجه، وغير ذلك.

وما أكسبَ المحامدَ طالبوها ... بمثلِ البِشْرِ والوجهِ الطليقِ

وبالجملة: فمناقبه ومزاياه كثيرة، ومحاسنه وفضائله غزيرة:

سارتْ بأوصافِهِ الركبانُ فاتفقتْ ... على معاليه أسماعٌ وأبصارُ

أثنى على فضلِه حُسَّادُه، وكَفَى ... أن الحسودَ لهُ بالفضلِ إقرارُ

وكان في حفظ كتاب الله عن ظهر قلب آية باهرة، قلَّ أن يرتج في قراءته، مع ما منحه الله من الصوت الحسن، إذا سمعه المارُّ في طريقه، وقف.

قراءةٌ تطربُ الأسماعَ نغمتُها ... وتنقلُ النفس من حالٍ إلى حالِ

ولا غرو في حصول مثل ذلك، لا سيما إذا اقترن بالصوت الحسن، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول - كما في "صحيح البخاري" -: "ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ ما أَذِنَ لنبيٍّ يَتَغَنَّى بالقرآن"، أذن: أي: استمع، وعند أحمد وغيره: "اللهُ أشدُّ أَذَنًا إلى الرجلِ الحسنِ الصوتِ من صاحبِ القَيْنَةِ إلى قَيْنَتِه"، وروى ابن أبي شيبة من حديث عقبةَ بن عامر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعلموا القرآن، وغنوا به"، قال الحافظ في "الفتح": كذا وقع، والمشهورُ عندَ غيره في هذا: "وتَغَنَّوا عنه"، والمعروفُ في كلام العرب: أن التغني: الترجيعُ بالصوت، وأطال الحافظ الكلام في ذلك إلى أن قال: والذي يتحصل من الأدلة: أن حسن الصوت بالقرآن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015