وبقي في داره ثلاثة أيام، ودُفن متغيرًا من غير غسل ولا كفن ولا صلاة.
وروي أنه قال: تعلقت بأَستار الكعبة، وسألت الله الشهادة، ثم انحرفتُ وفكرت في هول القتل، فندمتُ، وهممت أن أَرجع فأَستقيلَ اللهَ سبحانه ذلكَ، فاستحييت. وأخبر مَنْ رآه بين القتلى، ودنا منه، فسمعه يقول بصوت ضعيف: "لا يُكْلَم أحدٌ في سبيل الله، واللهُ أعلمُ بمَنْ يُكْلَم في سبيله، إلا جاءَ يومَ القيامة وجُرحُهُ يَثْعَبُ دمًا، اللونُ لونُ الدم، والريحُ ريحُ المسك"، كأنه يعيدُ على نفسه الحديثَ الوارد في ذلك، قال: ثم مضى على أثر ذلك، وهذا الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه". ذكر له المَقَّرِيُّ في "نفح الطيب" ترجمتَه، وأورد له أشعارًا، وساق في كتاب "المطمح" حكاية شهادته.
قال: كان حافظًا عالمًا كَلِفًا بالرواية، رحل في طلبها، وتبحَّر في المعارف بسببها مع حظٍّ من الأدب كثيرٍ، واختصاص بنظيمٍ ونَثيرٍ، وقد عرّف به ابن حيان في "المقتبس"، وذكر قصة شهادته - رحمه الله -.
كانت له عناية كثيرة بالحديث والرجال والرواة والتواريخ، وله كتاب حسن، سماه: كتاب "اقتباس الأنوار، والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار"، أخذه الناس عنه، وأحسن فيه، وجمع وما أقصر، وهو على أسلوب كتاب أبي سعيد السمعاني الحافظ الذي سماه بـ "الأنساب"، وتوفي شهيدًا بالمَرِيَّةِ عند تغلُّب العدو عليها صبيحةَ يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة 542.
والرشاطي: هذه النسبة ليست إلى قبيلة، ولا إلى بلد، بل ذكر في كتابه المذكور: أن أحد أجداده كانت في جسمه شامة كبيرة، وكانت له خادمة عجمية تحضنه في صغره، فإذا لاعبته، قالت له: رشاطة، وكثر ذلك منها، فقيل له: الرشاطي.