الجمار؟ قال: بلى! قال: فإن لك حجًا، جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن مثل ما سألتني عنه، فسكت عنه - صلى الله عليه وسلم -، فلم يجبه حتى نزل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، وقرأ عليه ذلك، وقال: "لكَ حَجٌّ". وقد أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إن الله يُدخل بالحجة الواحدةِ ثلاثةَ نفرٍ الجنةَ: الميتَ، والحاجَّ عنه، والمنفذ لذلك". وعن أنس - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في رجل أوصى بحجة: "كُتبت له أربعُ حِجج، حجةٌ للذي كَتَبَها، وحجةٌ للذي نفذها، وحجةٌ للذي أوصى بها، وحجة للذي عملها"، انتهى ما في "النفس اليماني".
وأقول: هذه الروايات تحتاج إلى صحة سندها، والذي في "الصحيح": أن يحج قريب عن قريب، ولا يحج عن الميت غريب، كما أوضحنا ذلك في كتابنا "دليل الطالب".
كان من العلماء العاملين، والفضلاء السالكين إلى طريق رب العالمين، لا يراه أحد متكلمًا بمباح إلا لضرورة أو حاجة، وكان يغلب عليه الحال:
تَوَجَّهَ للإِلَهِ بِلا التفاتٍ ... وأَبْقَى الغيرَ في شغلِ الخيالِ
وكان أليفَ المسجد، حليفَ المنزل، وعن جميع الأنام بمعزل. قال السبكي: وجدتُ الصلاحَ كلَّه في كلمتين من الحديث النبوي - صلى الله عليه وسلم -: "عليك بِخُوَيِّصَةِ نفسِكَ" ففيها إرشادٌ إلى الاشتغال بتهذيب النفس، وتنقيتها من الكدورة والدنس، وقوله: "ولْيَسَعْكَ بيتُك"، ففيها إرشادٌ إلى أن السلامة كلَّ السلامة في العزل عن الخلق، فمتى خرج الإنسان، فقد تعرض للشقاء والعناء. قال تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117]، وكان كلامه كلُّه بجامع الأدعية النبوية. ومن مشايخه السيد يحيى بن عمر المذكور، ومن نظمه الشريف:
هل لي إليكَ وسيلةُ ... ألقى بها كشفَ الغِطا