يجتمعون إليه، ويجعلونه حكمًا؛ لكمال علمه، وقوة فهمه.
وما زالَ أهلُ العلمِ والفضلِ والتُّقى ... عُكوفًا به حتى ظَنَنَّاهُ مَسْجِدا
وكان لا يترك كل يوم من كتابة قدر معلوم من كتاب الله، أو من كتابة فوائد وآداب، أو كتابة نسخة من العلوم النافعة، حتى اجتمع له مع الدوام من ذلك الشيء الواسع، شعر:
فلا تَكْتُبْ بكفِّكَ غيرَ شيءٍ ... يَسُرُّكَ في القيامَةِ أن تَراهُ
وكان له حبٌّ كثير في أهل البيت النبوي - صلى الله عليه وسلم -:
وهل يستوي وُدُّ المقلِّدِ والذي ... له حُجَّةٌ في حُبِّهِ ودلائلُ
انتهى.
قلت: وهذا شأن المحدِّثين؛ فإن حبهم للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعترتِه وصحابته، وحفاظِ هَدْيه وسمتِه شيءٌ لا ينكره إلا من أعمى اللهُ بصرَ بصيرته، وما لهذا الحبِّ وللمقلدين الجامدين على رأي الإمام، والمشتغلين بالفروع في الليالي والأيام، فأين هذا من ذلك؟
ذكر له الفتحُ بنُ خاقانَ ترجمةً بليغة في "قلائد العقيان"، وقال: حامي ذمار الدين وعاضدُه، وقاطعُ ضرر المعتدين وخاضِدُه، ملكَ للعلوم زمامًا، وجعل العكوفَ عليها لزامًا، فأحيا رسمَها، وأعلى اسمَها، وخاصمت الملحدين منه ألسنٌ لُدّ، وتهدلت به على العالمين أغصُنٌ مُلْد، وكفَّ أيدي الظالمين، فلم تكن لهم استطالة، وأرهف خواطر المجتهدين، فلم تسنح لهم بطالة، قال: وكان - رحمه الله تعالى - مُتَّضِحَ طريق الهدى، منفسحَ الميدان في العلم والنَّدى، مع أدب كالبحر الزاخر، ونثرٍ كالدرِّ الفاخر، ومن قوله - رح - شعر:
لا بِقَوْمي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفوا بي ... وبِنَفْسي فَخَرُت لا بِجُدودي