بها أهل الحديث وأهلَ السلوك، ولم يشاركهم فيها أحد من الفقهاء المقلدين، وإنك لا تجد عالمًا صوفيًا، وسالكًا فاضلًا، إلا وهو يتقيد بالكتاب والسنة، ولا يقلد أحدًا من الأئمة، ومن هنا قيل: إن الصوفي لا مذهبَ له، فخلاصة الأمة الأمية المرحومة هذان الصنفان من الناس، ولا عطرَ بعد عروس:

ما لي إذا أَلْزَمْتُهُ حُجَّةً ... قابَلَني بالضِّحْكِ والقَهْقَهَهْ

إن كانَ ضِحْكُ المَرْءِ من فِقْهِهِ ... فالدُّبُّ في الصحراءِ ما أَفْقَهَهْ

486 - محمد بن علي بن وهب، المعروف بابن دقيق العيد، الإمامُ الكبيرُ.

ولد في شعبان سنة 625، بناحية ينبع في البحر، تبحر في جميع العلوم الشرعية، وخضع له أكابر الزمان، وطار صيته، واشتهر ذكره، وأخذ عنه الطلبة، وصنف التصانيف الفائقة، منها: "الإلمام في أحاديث الأحكام"، وشرع في شرحه، أتى فيهما - كما قال ابن حجر - بالعجائب الدالة على سعة دائرته في العلوم، خصوصًا في الاستنباط، وصنف "الاقتراح في علوم الحديث"، ومن مصنفاته "شرح العمدة"، قال الصلاح الكتبي: كان إمامًا متفننًا محدِّثًا مجوِّدًا فقيهًا مدققًا أصوليًا أديبًا شاعرًا نحويًا ذكيًا، غواصًا عَلى المعاني مجتهدًا، وافرَ العقل، كثيرَ السكينة، بخيلاً بالكلام، تامَّ الورع، شديدَ التدين، مُديمَ السهر، مُكِبًا على المطالعة والجمع، قلَّ أن ترى العيونُ مثله، وقد كان قهره الوسواس في أمر المياه، انتهى. قال في "آثار الأدهار": سمع جماعة، وسمع منه غير واحد، وعكف مكبًا على المطالعة، فجمع الكثير، ومن شعره:

لم يَبْقَ لي أَمَلٌ سواكَ فإنْ يَفُتْ ... وَدَّعْتَ أيامَ الحياةِ وداعا

لا أستلذُّ بغيرِ وجهِك منظَرًا ... وسِوى حديثِك لا أُريدُ سَماعا

وله - رح -:

تمنيتُ أن الشيبَ عاجَلَ لِمَّتي ... وقَرَّبَ مِنِّي في صِبايَ مَزَارَهُ

فآخُذَ من عصرِ الشبابِ نشاطَهُ ... وآخذَ من عصرِ المشيبِ وقارَهُ

انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015