عبد الباري الأهدل في قرية مراوعة، وكان فيه إنصاف في المراجعة، لا يتعصب ولا يكابر، وفيها وفاة القاضي عبد الرحمن بن محمد بمدينة زبيد، مولده سنة 1112 ببلدة ضمد، انتهى. وآخر كتاب "الديباج" إلى سنة 1272 الهجرية.
كان - رح - في العلوم كلها إمامَ أهل التحقيق، والمجلي من قصبات الإتقان والتدقيق، روحُ جسم العبادة، وحليفُ التقى والزهادة، نهاره صائم، وليله قائم. مولده تقريبًا سنة 1166، وتوفي سنة 1246، خلف عن والده شيخ الإسلام.
وكان عاملاً بالدليل، تاركًا للتقليد، مجانبًا عن القال والقيل، ومع ذلك كان إذا تكلم في مسألة، لم يترك بعده مقالاً لقائل، أو خاض في ثبج المشكلات وإيضاحها، فمن ذا له يناضل، وكان مؤثرًا للخمول والعزلة، تاركًا لفضول العيش، مطرحًا للعادات التي عليها الناس في الملبوس وغيره. ولا يحب الشهرة في شيء من أمره، وكان كثيرًا ما ينشد قول الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى -:
تَرَكْتُ هَوَى ليلَى وسُعْدَى بَمعزلِ ... وعُدْتُ إلى مصحوبِ أَوَّلِ منزلِ
ونادَتْنِيَ الأشواقُ مهلاً فهذهِ ... منازلُ مَنْ تَهْوَى رُويدَكَ فانزلِ
وهذا يشعر بأنه لا ملحظ له إلا ما فيه رضا مولاه، وأنه لا يشتغل بما سواه، وهكذا حالُ من علم أن المقام في الدنيا قليل ذو هوان، وأن من خالف هواه تكون عقباه الراحة في دار الحيوان:
نَزَلْنا ها هنا ثم ارتَحَلْنا ... كَذَا الدنيا نزولٌ وارتحالُ
يظنُّ المرءُ في الدنيا خلودًا ... خلودُ المرءِ في الدنيا مُحالُ
هذا حاصل ما في "الديباج". وقد ترجمه جماعة من أهل العلم، وذكروا له فضائل لا يأتي عليها الحصر، ولله در القائل:
أَذانُ المَرْءِ حينَ الطفلُ يأتي ... وتأخيرُ الصلاة إلى المَمَاتِ