انقطع ظهرها، وقعدت على الطريق قبل وصول المنزل، وبلا شك أن التوثب على ثلب أعراض المشكوك في إسلامهم - فضلاً عن المقطوع بإسلامهم - جرأة عظيمة غير محمودة، فربما كذب الظن، وبطل الحديث، وتقشعت سحائب الشكوك، وتجلت ظلمات الظنون، وطاحت الدقائق، وحقت الحقائق، كان يومًا يفر المرء فيه من أبيه، ويَشِحُّ بما معه من الحسنات عن أحبابه وذويه، لحقيق بأن يحافظ فيه على الحسنات، ولا يدعها يوم القيامة نهبًا بين قوم قد صاروا تحت أطباق الثرى قبل أن يخرج إلى هذا العالم بدهور، وهو غير محمود على ذلك ولا مأجور، فهذا ما لا يفعله بنفسه العاقل، وأشد من ذلك أن ينثر جراب طاعاته، وينثل كنانة حسناته على أعدائه غير مشكور بل مقهور، وهكذا يُفعل عند الجُثُوَّ للحساب بين أيدي الجبار بالمغتابين والهمَّازين والنمَّامين واللمَّازين، فإنه علم بالضرورة الدينية: أن مظلمة العرض كمظلمة المال والدم، ومجرد التفاوت في مقدار المظلمة لا يوجب عدم اتصاف ذلك الشيء المتفاوت أو بعضه بكونه مظلمة، فكل واحدة من هذه الثلاث مظلمة لآدمي، وكل مظلمة لا تسقط إلا بعفوه، وما لم يعف عنه باقٍ على فاعله يوافي عرصات القيامة.
فقل لي! كيف يرجو من ظلم ميتًا بثلب عرضه أن يعفو عنه، ومن ذاك الذي يعفو في هذا الموقف، وهو أحوجُ ما كان إلى ما يقيه من النار، وإذا التبس عليك هذا، فانظر ما نجده من الطباع البشرية في هذه الدار، فإنه لو ألقي الواحد من هذا النوع الإنساني إلى نار من نيران هذه الدنيا، وأمكنه أن يتقيها بأبيه، أو بأمه، أو بابنه، أو بحبيبه، لفعل، فكيف بنار الآخرة التي ليست نار هذه الدنيا بالنسبة إليها شيئًا.
ومن هذه الحيثية قال بعض من نظر بعين الحقيقة: لو كنت مغتابًا أحدًا، لاغتبت أبي وأمي؛ لأنهما أحق بحسناتي التي تؤخذ مني قصرًا، وما أحسنَ هذا الكلام! ولا ريب أن أشد أنواع الغيبة وأضرَّها وأشرَّها وأكثرَها بلاءً وعقابًا ما بلغ منها إلى حد التكفير واللعن، فإنه قد صح أن تكفير المؤمن كفر، ولعنه راجع على فاعله، وسبابه فسوق، وهذه عقوبة من جهة الله سبحانه، وأما من وقع له