جميع ديار الروم والشام ومصر وغيرها في الفقه على المؤلفين: أحدهما: مؤلف الملا خسرو الرومي المسمى "بالدرر والغرر" متنًا وشرحًا، والمؤلف الآخر لمحمد أفندي مفتي دمشق المسمى "بالدر المختار"، وأخبرنا أن هذا محمد أفندي هو من أهل القرن الحادي عشر.
وقد طلب مني صاجا الترجمة بعض مؤلفاتي، فأعطيته "الدرر"، وشرحه "الدراري"، وقد تلقيت منه الذكر على الطريقة النقشبندية، انتهى حاصله.
كان من ملوك اليمن الميمون، عالمًا بجميع العلوم، تلمذ على العامري صاحب "البهجة".
قال في "البدر الطالع": سمع منه "سنن أبي داود"، وأجازه في سائر كتب الحديث، وبرع في جميع العلوم، وصنف - وهو دون العشرين -، وشرحه للبحر شرح مفيد، سلك فيه طريقة الإنصاف، وهو يدل على تبحره في عدة علوم، دعا الناس إلى مبايعته، فبايعوه في سنة 879، وهو من أكابر أئمة الآل في العلم والعمل، ولديه من التسليم للحق واتباع الدليل ما لم يكن لغيره، حتى رأيته قد حرر بحثًا في مسألة انحصار الإمامة في بعض بطون قريش، وتكلم بالصواب - مع كونه إذ ذاك إمامًا -، واستمرت إمامته إلى أن مات في سنة 900، ومدة خلافته إحدى وعشرون سنة، انتهى.
لا أعلم أنه غضب قَطُّ، أو خاصم في شيء منذُ عرفته إلى أن مات سنة 1207، وليس له نظير في حفظ الأشعار لأهل الجاهلية والإسلام، وكتب من نفائس الكتب بخطه شيئًا كثيرًا، وكنت أعجب من سرعة ما يتحصل له من ذلك، مع شغلته بالتدريس، فسألته بعض الأيام عن ذلك، فقال: إنه لا يترك النسخ يومًا واحدًا، وإذا عرض له ما يمنع، فعل من النسخ شيئًا يسيرًا، ولو سطرًا واحدًا، أو سطرين، فلزمتُ قاعدته هذه، فرأيت في ذلك منفعة عظيمة، انتهى.