كان المترجَم له منحرفًا عن السخاوي، وجرى بينهما - من المناقضة والمراسلة والمخالفة - ما يوجب عدم قبول [قول] أحدهما على الآخر، ومن أمعن النظر في كتاب المترجَم له في التفسير الذي جعله في المناسبة بين الآي والسور (?)، علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء، الجامعين بين علمي المعقول والمنقول، وكثيرًا ما يشكل عليّ شيء في الكتاب العزيز، فأرجع إلى مطولات التفسير ومختصراتها، فلا أجد ما يشفي، وأرجع إلى هذا الكتاب، فأجد ما يفيد في الغالب. وقد نال منه علماء عصره بسبب تصنيف هذا الكتاب، وأنكروا عليه النقل من التوراة والإنجيل، وترسلوا عليه، وأغروا به الرؤساء، ورأيت له رسالة يجيب بها عليهم، وينقل الأدلة على جواز النقل من الكتابين، وفيها ما يشفي، ولما تنكَّر له الناس، وبالغوا في أذاه، لمَّ أطرافه، وتوجه إلى دمشق، وقد كان بلغ جماعة من أهل العلم في التعرض له بكل ما يكره إلى حد التكفير، حتى رتبوا عليه دعوى عند القاضي المالكي، وقد كان رام المالكيُّ الحكمَ بكفره وإراقة دمه، وقد امتحن الله أهلَ تلك الديار بقضاة من المالكية يتجرؤون على سفك الدماء بما لا يحل به أدنى تعزير، فأراقوا دماء جماعة من أهل العلم جهالةً وضلالة على الله، ومخالفة لشريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتلاعبًا بدينه، بمجرد نصوص فقهية، واستنباطات فروعية ليس عليها أثارة من علم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولم يزل المترجَم له - رحمه الله - يكابد الشدائد، ويناهد العظائم قبل رحلته من مصر، وبعد رحلته إلى دمشق، حتى توفاه الله في سنة 885، وقد ترجم له السخاوي ترجمة مظلِمة، كلها سب وانتقاص، وطوَّلها بالمثالب، بل ما زال يحطُّ عليه في جميع كتابه المسمى بالضوء اللامع؛ لأن المترجَم له كتب لأهل عصره تراجم، ونال من أعراض جماعة منهم، لا سيما الأكابر الذين أنكروا عليه، فكان السخاوي ينقل قوله في ترجمة أولئك الأكابر، ويناقضه، وينتقصه، ولشعراء عصره فيه أمداح وأهاجي، وما زالتِ الأشرافُ تُهجى وتُمْدَحُ.