فأظهرَ الحسنَ إذ آثارُه دَرَسَتْ ... وأخمدَ الشرَّ إذ طارت له الشَّرَرُ
كُنا نحدثُ عن حبرٍ يجيء، فها ... أنتَ الإمامُ الذي قد كانَ يُنتظَرُ
قال في "البدر الطالع" في ترجمته: الإمام الكبير، صاحب التصانيف، أجاز له أكابر علماء عصره من سائر الأمصار، وبرز في جميع الفنون، وفاق الأقران، واشتهر ذكره، وبَعُدَ صيتُه، وتصانيفُه من الفنون مقبولة، قد سارت في الأقطار مسيرَ النهار، ولكن لم يسلَمْ من حاسد لفضله، وجاحد لمناقبه؛ فإن السخاوي في "الضوء اللامع" - وهو من أقرانه - ترجمه ترجمة مظلمة، غالبها ثَلْبٌ فظيع، وسَبٌّ شنيع، وانتقاصٌ وغمط لمناقبه، تصريحًا وتلويحًا.
ولا جرم، فذلك دأبه في جميع الفضلاء من أقرانه، وقد تنافس هو وصاحب الترجمة منافسة أوجبتْ تأليفَ صاحب الترجمة لرسالة سماها: "الكاوي لدماغ السخاوي" فليْعرفِ المطلعُ على ترجمة هذا الفاضل في: "الضوء اللامع": أنها صدرت من خصم له غير مقبول عليه، انتهى. ثم نقل العبارةَ من السخاوي في ذمه، وقال: أقول: لا يخفى على المصنف ما في هذا المنقول من التحامل على هذا الإمام، فإن ما اعترف به من صعوبة علم الحساب عليه لا يدل على ما ذكره من عدم الذكاء؛ فإن هذا الفن لا يفتح فيه على ذكي إلا نادرًا؛ كما نشاهده الآن في أهل عصرنا، وكذلك سكوته عند قول القائل له: نجمع لك أهلَ كل فن من فنون الاجتهاد؛ فإن هذا الكلام خارج عن الإنصاف؛ لأن رب الفنون الكثيرة لا يبلغ في تحقيق كل واحد منها ما يبلغه من هو مشتغل به على انفراده، وهذا معلوم لكل أحد، وكذلك قوله: إنه نسخ كذا وأخذ كذا ليس بعيب؛ فإن هذا ما زال دأبَ المصنفين، يأتي الآخِر، فيأخذ مِنْ كتب مَنْ قبله، فيختصر، أو يوضح، أو يعترض، أو نحو ذلك من الأغراض التي هي الباعثة على التصانيف، ومن ذلك الذي يعمد إلى فن قد صنف فيه من قبله، فلا يأخذ من كلامه، وقوله: إنه رأى بعضها في ورقة، لا يخالف ما حكاه صاحب الترجمة من ذكر عدد مصنفاته، فإنه لم يقل: إنها زادت على ثلاث مئة مجلد، بل قال: إنها زادت