وجاور بمكة. وكان عالمًا عاملاً متصوفًا شاعرًا مجردًا، له تصانيف، منها: كتاب "الغرر من كلام سيد البشر". كان الناس يدخلون عليه بيته والكتب عن يمينه وشماله، ومن شعره:
أَسيرُ الخطايا عندَ بابِكَ واقفٌ ... له عن طريقِ الحقِّ قلبٌ مخالِفُ
قديمًا عصى عَمْدًا وجَهْلاً وغِرَّةً ... ولم يَنْهَهُ قلَبٌ من الله خائِفُ
تزيدُ سِنوه وهو يزدادُ ضِلَّةً ... فها هو في ليلِ الضلالةِ عاكِفُ
تَطَلَّعَ صبحُ الشيبِ والقلبُ مظلِمٌ ... فما طافَ منه من سنى الحقَّ طائِفُ
ثلاثون عامًا قد تَوَلَّتْ كأنها ... حلومٌ تَقَضَّتْ أو بُروقُ خواطِفُ
وجاءَ المَشيبُ المُنْذِرُ المرءَ أنه ... إذا رحلتْ هذي الشبيبةُ تالِفُ
فيا أحمدَ الخوان! قد أدبرَ الصِّبا ... وناداكَ من سِنَّ الكُهولة هاتِفُ
فهل أَرَّقَ الطرفَ الزمانُ الذي مضى ... وأبكاه ذنبٌ قد تقدَّمَ سالِفُ
فَجُدْ بالدموعِ الحُمرِ حُزنًا وحسرةً ... فدمعُك يُنْبِي أَنَّ قلبَك آسِفُ
قال المقري في "نفح الطيب": وقد وافق في أول هذه القطعة قول أبي الوليد بن الفرضي، أو أخذه منه نقلاً. توفي سنة 550، وقيل: سنة 551 - رحمة الله عليه -.
قال في "خلاصة الأثر": حافظ المغرب، جاحظ البيان، ومن لم ير نظيره في جودة القريحة، وصفاء الذهن وقوة البديهة.
وكان آية باهرة في علم التفسير والحديث، ومعجزًا باهرًا في الأدب والمحاضرات، له المؤلفات الشائعة، منها: "عَرْف الطيب في أخبار ابن الخطيب"، انتهى.
قلت: وذكر في "كشف الظنون" أنه سماه بعد ذلك: "نفح الطيب عن غصن الأندلس الرطيب"، انتهى. وله "إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة". ولد بتلمسان، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وقرأ على عمه سعيد بن أحمد المقري -