"المدخل"، والخطابي، فقال: شقُّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له، وإلقاؤه على القبر، وقوله: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" - كما في البخاري وغيره، إنما هو ببركة مس يده له، وجعل بقاء الرطوبة حدًّا لما وقع به من المسألة من تخفيف العذاب؛ لأن في الجريد الرطب معنًى ليس في اليابس، والعامة يفرشون الخُوص على القبور، فكأنهم ذهبوا إلى [أن] هذا ليس له وجه، انتهى. ورده العلامة ابن حجر - في "شرح البخاري" -، فقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ جريدة رطبة، فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة إلى آخره، وأنكره الخطابي وغيره، ولا يلزم من كوننا لا نعلم تعذيبه وغيره أنا لا نتسبب في أمر يخفف عذابه كما ندعو له بالرحمة، ولم يصرح في الحديث بمسه له، وقد تأسى به بريدة الصحابي، فأوصى بوضع الجريدة على قبره، وهو أولى أن يتأسى به، انتهى.
قلت - عفا الله عني -: الذي وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القبر هو الجريد، لا الريحانُ، ولا غيره، وهذا فعله - صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة، ولا عموم للفعل، وفعلُ الصحابي لا يصلح للحجة، فالذي ذهب إليه ابن الحاج وغيره لعله هو الصواب - إن شاء الله تعالى -.
قال: اعلم أن معجزة كل نبي على وفق زمانه وقومه، ولما كان أشرف الخلق العرب، وأعظم ما عندهم الشجاعة والفصاحة والكرم، كان أعظم معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم - القرآن المعجز بفصاحته وبلاغته، ولما كان خاتم الرسل، ولا نبي بعده، جعل له معجزة باقية إلى القيامة لا تزال تتلى، وجديدةً على كثرة الترداد لا تَخْلَق ولا تَبْلى، انتهى. قلت: ومن هنا طالت يد سلف هذه الأمة وأئمتها إلى تعلم العربية حتى ملكوا ناصيتها، وبلغوا قاصيتها، وهذا اللسان العربي المبين هو لغة شريعتنا الحقة، فكان من الواجب علينا أخذه على وجهه، ولكن تقاعدت همم الخلف عن بلوغ ذروته حتى بقوا غير عارفين به وبمحاورته وصلاته، وحيث عاد بهم الحال إلى هذا المقام، فمن أين رجاءُ فهم معاني الكتاب والسنة لهم؟ قال: وعلى ذكر الهدية، نهدي إليك فائدة سنية: كان - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، وأهدى إليه أعرابي هدية، فقبلها، فجاءه، وقال: يا رسول الله! إني كنت أهديت هدية، فأعطاه