احتواشه بالمخاوف، وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه، كان له من الأجر أضعافُ ما كان لمن كان متمكنًا منه، معانًا عليه بكثرة الدعاة إلى الله تعالى، وذلك قولُه: "لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، وهم لا يجدون عليه أعوانًا" حتى ينقطع ذلك انقطاعًا تامًا؛ لضعف الدين، وقلة اليقين، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقومُ الساعةُ حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله" [رواه مسلم]- يروى برفعِ الهاءِ ونصبها -، فالرفعُ على معنى: لا يبقى موحَّدٌ يذكر الله - عز وجل -، والنصب على معنى: لا يبقى آمرٌ بالمعروف، وناهٍ عن منكر يقول: أخاف الله، وحينئذ يتمنى العاقل الموت، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقومُ الساعةُ حتى يمرَّ الرجلُ بقبرِ الرجل، فيقول: يا ليتني كنتُ مكانَه"، انتهى. وأنشد - رحمه الله تعالى - لبعض الصوفية:

امتحنَ اللهُ بذا خَلْقَهُ ... فالنارُ والجنَّةُ في قَبْضَته

فهجرُهُ أعظمُ من نارِه ... ووصلُه أَطْيَبُ من جَنَّتِه

ومن فوائده: أنه قال: كنت بمجلس الوزير العادل أبي منصور بن جهير، فقرأ القارىء {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: 44]، وكنت بظهر أبي الوفاء ابن عقيل إمام الحنبلية - بمدينة السلام -، وكان معتزلي الأصول، فلما سمعت الآية، قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري: هذه الآية دليل على رؤية الله تعالى في الآخرة؛ فإن العرب لا تقول: لقيت فلانًا، إلا إذا رأته، فصرف أبو الوفاء وجهه مسرعًا إلينا، وقال: ينتصر لمذهب الاعتزال في أن الله لا يُرى في الآخرة، فقد قال الله تعالى {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: 77]، وعندك أن المنافقين لا يرون الله تعالى في الآخرة، وقد شرحنا وجه الآية في "المشكلين"، وتقدير الآية: فأعقبهم هو نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه، فيحتمل ضمير - يلقونه - أن يعود إلى ضمير الفاعل في - أعقبهم - المقدر بقولنا: هو، ويحتمل أن يعود إلى النفاق مجازًا على تقدير الجزاء، انتهى. ومنها: قوله: إنه كان بمدينة السلام إمامٌ من الصوفية وأيُّ إمام، يعرف بابن عطاء، فتكلم يومًا على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه، فقام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015