إلى نحو مئة من الأحكام، حتى يقول من لا يعلم أحوال قوى النفس: إن هذا من الجان والمكاشفة، وليس كما قال، بل قوة نفس يجد بسببها هذه الأحوال عند توجهه بالمنام، ورأيت أنا جماعة من هذا النوع، واختبرتهم، انتهى كلامه، وأظنه يشير إلى الشيخ المذكور؛ فإنه معاصره.
قال الذهبي: كان إمامًا فاضلاً، وليَ مشيخة دار الحديث الأشرفية؛ وأسمع بها الحديث، وذكر مرة لقضاء الحنابلة، وحدث بدمشق ومصر وغيرهما؛ وسمع منه خلق من الحفاظ وغيرهم؛ كالمزي والبرزالي، والذهبي، وشيخنا ابن القيم، توفي سنة 697، وكانت جنازته حافلة، خرج نائب السلطنة للصلاة عليه والقضاةُ والأكابر - رحمه الله -.
ولد سنة 426 سمع ببغداد من القطيعي، وابن اللتي، واكثرَ عن المتأخرين، وقرأ الكثير من الكتب والأجزاء، وعُني بالحديث، وكانت له معرفة حسنة به، قال الشيخ صفي الدين: تفرد في زمانه بمعرفة الحديث وأسماء الرواة، وكان ضنينًا بالفوائد. قال الفرضي: كان فقيهًا محدثًا حافظًا، وهو متماسك، وله عمل كثير في الحديث وشهرة، وكان قارئًا بدار الحديث المستنصرية، مفيدًا بها، وكان بعض الشيوخ ينسبه إلى التهاون في الصلاة، وقال بعضهم: إنهم كانوا يحسدونه لما كان برز عليهم في الكلام والمجالس، توفي سنة 698.
قال ابن رجب: بلغني أن رجلاً من أهل سامرة أشكل عليه الجمع بين الحديثين؛ وهما: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من همَّ بسيئةٍ فلم يعملْها، كتبت له حسنة"، وقوله في الذي رأى ذا مال ينفقه في المعاصي: لو أن لي - مثل ما لفلان - لفعلت ما فعل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هما في الوزر سواء"، فقدم بغداد، فلم يجبه أحد بجواب شافٍ حتى دل على ابن الكسار، فقال له على الفور ما معناه: إن المعفو عنه إنما هو الهَمُّ المجرَّدُ، فأما إن اقترن به القول أو العمل، لم يكن معفوًا عنه، وذكر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لأمتي ما حَدَّثت به، ما لم تتكلمْ به، أو تعملْ".