وكان كثير الحياء، عزوفًا عن الدنيا وأهلها، هينًا بينًا متواضعًا، محبًا للمساكين، من رآه، كأنما رأى بعض الصحابة، وكان كامل العقل، شديد التثبت، دائمَ السكوت، نزهًا ورعًا، عابدًا على قانون السلف، على وجهه النورُ، وعليه الوقار والهيبة، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه. صنف التصانيف، قصده التلامذة والأصحاب، وسار اسمه في البلاد، واشتهر ذكره، وكان حسنَ المعرفة بالحديث، وله يدٌ في علم العربية.

قال عمر بن الحاجب الحافظ في "معجمه": هو إمام الأئمة، ومفتي الأمة، خصه الله بالفضل الوافر، والخاطر الماطر، والعلم الكامل، فأما الحديث، فهو سابق فرسانه، وأما الفقه، فهو فارس ميدانه. وقال أبو شامة: كان شيخ الحنابلة، إمامًا من أئمة المسلمين، وعلمًا من أعلام الدين، سمعت عليه أشياء، ومن أظرف ما حُكي لي عنه: أنه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة فيها رمل يرمل به ما يكتبه للناس من الإجازات وغيرها، أثنى عليه الحافظ الضياء، وأفرد سيرته، وكذلك الذهبيُّ، وقال الضياء: كان إمامًا في القرآن وتفسيره، وفي الحديث ومشكلاته. قال إمام بن غنيمة: ما أعرف أحدًا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق - يعني: المترجم له -، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أنعم الله على عبد نعمةً أفضلَ من أن يُلهمه ذكره"، فقد ثبت بهذا أن إلهام الذكر أفضلُ من الكرامات، وأفضلُ الذكر ما يتعدى نفعُه إلى العباد، وهو تعليم العلم والسنة، وأعظمُ من ذلك ما كان جِبِلَّة وطبعًا؛ كالعلم والكرم والعقل والحياء.

وكان لا يكاد يناظر أحدًا إلا وهو متبسم، حتى قال بعض الناس: هذا الشيخ يقتل خصمه بتبسمه، ومن كراماته: ما حكاه سبط ابن الجوزي، قال: قلت في نفسي: لو كان لي قدرة، لبنيت للموفق مدرسة، وأعطيته كل يوم ألف درهم، قال: فجئت بعد أيام، فسلمت عليه، فنظر إليّ وتبسم، وقال: إذا نوى شخص نية، كُتب له أجرُها.

وذكر له ابن رجب كرامات أخرى، ثم ذكر تصانيفه، وقال: تصانيفه في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015