وكان مع ذلك يتكلم كثيرًا بلسان الاجتهاد والترجيح واتباع الدليل الذي ظهر له، ويقول: الواجب اتباعُ الدليل، لا اتباعُ أحمدَ. ولابن عقيل مسائلُ كثيرة ينفرد بها، ويخالف فيها المذهب، فإن نظره كثيرًا يختلف، واجتهاده يتنوع.
وكان يقول: عندي أن من أكبر فضائل المجتهد أن يتردَّد في الحكم عند تردُّد الحجة. ومن مسائله: أن النساء لا يجوز لهن استعمال الحرير إلا في اللبس دون الافتراش والاستناد. ومنها: أن صلاة الفذ تصح في الجنازة الخاصة. ومنها: أن الربا لا يجري إلا في الأعيان الستة المنصوص عليها، ومنها: أن الوقف لا يجوز بيعُه وإن خرب وتعطل نفعُه، ومنها: أن المشروعِ في عطية الأولاد التسويةُ بين الذكور والإناث، ومنها: أنه لا يجوز وطء المكاتبة، وإن اشتُرط وطئها في عقد الكتابة، ومنها: أن الزروع والثمار التي تسقى بماء نجس طاهرة مباحة، وإن لم تُسق بعده بماء طاهر.
ومن غرائبه: أنه اختار وجوب الرضاء بقضاء الله في الأمراض والمصائب، واختار: أن النهار أفضل من الليل. وقيل له: ما تقول في عزلة الجاهل؟ فقال: خبال ووبال، تضرُّه ولا تنفعه، فقيل له: فعزلة العالم؟ قال: مالكَ ولَها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وترعى الشجر إلى أن تلقى ربَّها، وله شعر رائق.
توفي سنة 513. ترجم له ابن رجب ترجمة حسنة إلى أوراق في طبقاته.
من نسل كعب بن مالك الأنصاري - رضي الله عنه -. ولد سنة 442.
حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحضر على جماعة من العلماء، وكانت له إجازة عن التنوخي، وقرأ الفرائض والحساب والهندسة، وبرع في ذلك، وتفنن في علوم كثيرة، قال ابن السمعاني: عارفٌ بالعلوم، متفنن، حسنُ الكلام، حلوُ المناظرة، مليحُ المحاورة، وما رأيت أجمعَ للفنون منه، نظر في كل علم، وسمعته يقول: تُبْتُ من كل علم تعلمته إلا الحديثَ وعلمَه.
وكان سريعَ النسخ، حسنَ القراءة للحديث، يقول: ما ضيعتُ ساعة من