قال السِّلفي: ما رأتْ عيناي مثلَه، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه؛ لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، وله في ذم الكلام وأهله شيء كثير، قال: أنا أقطعُ أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، قال: ولقد بالغتُ في الأصول طول عمري، ثم رجعت القهقرى إلى مذهب المكتب، وله من الكلام في السنة، والانتصارِ لها، والردِّ على المتكلمين شيءٌ كثير، وقد صنف في ذلك مصنفًا.
وكتب بعضهم إليه يقول له: صف لي أصحابَ أحمدَ على ما عرفتَ من الإنصاف، فكتب إليه يقول: هم قوم خشن، تقلصت أخلاقهم عن المخالطة، وغلُظت طباعهم عن المداخلة، وغلب عليهم الجد، وقلَّ عندهم الهزل، وعَرِيَتْ نفوسهم عن ذلَّ المرايات، وفزعوا عن الآراء إلى الروايات، وتمسكوا بالظاهر تحرجًا عن التأويل، وغلبت عليهم الأعمال الصالحة، فلم يدققوا في العلوم الغامضة، بل دققوا في الورع، وأخذوا ما ظهر من العلوم، ولم أحفظ على أحد منهم تشبيهًا، إنما غلب عليهم الشناعة؛ لإيمانهم بظواهر الآي والأخبار، من غير تأويل ولا إنكار، والله يعلم أنني لا أعتقد في الإسلام طائفة محقة خاليةً من البدع سوى مَنْ سلكَ هذا الطريق، والسلام.
ومن كلامه: ومن عجيب ما أسمعه من هؤلاء الأحداث الجهال: أنهم يقولون: أحمد ليس بفقيه، لكنه محدِّث، وهذا غاية الجهل؛ لأنه قد خرَّجَ اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرُهم، وخرَّج من دقيق الفقه ما لا تراه لأحد منهم وذكر مسائل من كلام أحمد، وقال: إن أكثر العلماء يقولون: أصلي: أصلُ أحمد، وفرعي: فرع فلان، فحسبُك بمن ترضى به الأصول قدوة.
وكان يقول: هذا المذهب إنما ظلمه أصحابه؛ لأن أصحاب أبي حنيفة والشافعي إذا برع واحد منهم في العلم، تولى القضاء وغيرَه من الولايات، فكانت الولاية سببًا لتدريسه واشتغاله بالعلم، وأما أصحاب أحمد، فإنه قلَّ فيهم من يعلق بطرف من العلم إلا ويخرجه ذلك إلى التعبد والتزهد؛ لغلبة الخير على القوم، فينقطعون عن التشاغل بالعلم.