المخالف لظاهر الشرع إلى محامل حسنة، وكف اللسان عن تكفيره وتكفير غيره من المشايخ الذين ثبت تقواهم في الدين، وظهر علمهم في الدنيا بين المسلمين، وكانوا في ذروة عليا من العمل الصالح، ومن ثم رأيتُ شيخَنا الإمام العلامة الشوكانيَّ في "الفتح الرباني" مال إلى ذلك، وقال: لكلامه محامل، ورجع عما كتبه في أول عمره بعد أربعين سنة.

وأما شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وتلميذه الحافظ ابن القيم، وأمثالُهما، فهم إنما يذبون عن الشرع المطهر، وهذا منصبهم، وليس إنكارهم عليه من قِبَل الخصومة النفسانية، ولا على طريق الحسد الجاري بين أكثر أهل العلم من علماء الدنيا لكل وجهة هو موليها، ومع ذلك، لا شبهة ولا شك في أن جمعًا جَمًّا ذهبوا إلى تكفيره، وحطوا عليه بما لم يكن في حساب؛ كما أشرت إلى ذلك في كتابي "أبجد العلوم".

وأقول في هذا الكتاب: إن الصواب: ما ذهب إليه الشيخ أحمد السرهندي - مجددُ الألف الثاني -، والشيخ الأجلُّ مسنِدُ الوقت أحمدُ وليُّ الله - المحدَّث الدهلويُّ -، والإمام المجتهد الكبير محمد الشوكاني؛ من قبول كلامه الموافق لظاهر الكتاب والسنة، وتأويل كلامه الذي يخالف ظاهرهما، تأويله بما يُستحسن من المحامل الحسنة، وعدم التفوه فيه بما لا يليق بأهل العلم والهدى، واللهُ أعلم بسرائر الخلق وضمائرهم، وإنما الشأنُ في العلم المؤسَّس على الحديث والقرآن والتقوى في العمل الذي عليه مدار صحة الإسلام والإيمان والإحسان، وهذان الأمران قد كانا فيه على الوجه الأتم لا يختلف فيه اثنان، وكان من اتباع السنة، وترك التقليد، وإيثار الاجتهاد، ورفض القال والقيل، وردّ الآراء بمكانٍ لا يمكن أن يُفصح عنه لسان القلم، وهذه فضيلةٌ لا يساويها فضيلة، ومنقبة لا يوازيها منقبة، وكلامُه في العمل بالدليل، وطرح التقليد الضئيل فوق كلام الناس، وشغفه بذلك يفوت عن حصر البيان، فجزاه الله عنا وعن سائر المسلمين جزاء حسنًا، وأفاض علينا من أنواره، وكسانا من حلل أسراره، وسقانا من حُمَيَّا شرابه، وحشرنا في زمرة أحبابه، بجاه سيد أصفيائه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015