وسئل يحيى: كم كتبت من الحديث؟ فقال: كتبت بيدي هذه ست مئة ألف حديث. وقال راوي هذا الخبر - وهو أحمد بن عقبة -: وإني أظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ست مئة ألف، وست مئة ألف، وخلف من الكتب مئة قِمَطر، وأربع حباب شرابية مملوءة كتبًا، وهو صاحب "الجرح والتعديل"، وروى عنه الحديث كبارُ الأئمة، منهم: أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين، مسلمُ بن الحجاج القشيري، وأبو داود السجستاني، وغيرُهم من الحفاظ.
وكان بينه وبين الإمام أحمد بن حنبل من الصحبة والألفة والاشتراك بالاشتغال بعلوم الحديث ما هو مشهور، ولا حاجة إلى الإطالة فيه، وروى عنه: هو، وأبو خيثمة، وكانا من أقرانه.
وقال علي بن المديني: انتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير، وقتادة، وعلمُ الكوفة إلى إسحاق، والأعمش، وانتهى علم الحجاز إلى ابن شهاب، وعمرو بن دينار، وصار علمُ هؤلاء الستة بالبصرة إلى سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، ومعمر، وحماد بن سلمة، وأبي عوانة، ومن أهل الكوفة إلى سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس، ومن أهل الشام إلى الأوزاعي، وانتهى علم هؤلاء إلى محمد بن إسحق، وهشيم، ويحيى بن سعيد، وابن أبي زائدة، ووكيع، وابن المبارك، وهو أوسع هؤلاء علمًا، وابن مهدي، ويحيى بن آدم، وصار علم هؤلاء جميعًا إلى يحيى بن معين.
وقال أحمد بن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى فليس هو بحديث، وكان يقول: ها هنا رجل خلقه الله لهذا الشأن، يُظهر كذب الكذابين؛ يعني: يحيى بن معين.
وقال ابن الرومي: ما سمعت أحدًا قطُّ يقول الحق في المشايخ غير يحيى بن معين، وغيره كان يتحامل بالقول، وقال يحيى: ما رأيت على رجل قط خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلًا في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك، وإلا تركته، وكان يقول: كتبنا عن