وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك، بكى، وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد أن ضُرب أحمد على القول بخلق القرآن.
وكان أبو حنيفة حسنَ الوجه، حسنَ المجلس، شديدَ الكرم، حسنَ المواساة لإخوانه، وكان ربعةً من الرجال؛ وقيل: كان طوالًا تعلوه سمرة، أحسنَ الناس منطقًا وأحلاهم نغمة. وذكر الخطيب في "تاريخه": إن أبا حنيفة رأى في المنام: كأنه ينبش قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعث مَنْ سأل ابنَ سيرين، فقال: صاحب هذه الرؤيا يثور علمًا لم يسبقه إليه أحد قبله.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: نعم! رأيت رجلًا لو كلمته في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا، لقام بحجته. وقال الشافعي: من أراد أن يتبحَّر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه.
وقال جعفر بن ربيع: أقمت على أبي حنيفة خمس سنين، فما رأيت أطولَ صمتًا منه، فإذا سئل عن الفقه، تفتح وسال كالوادي، وسمعت له دويًا وجهارةً في الكلام، وكان إمامًا في القياس. وقال علي بن عاصم: دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره، فقال للحجام: تتبع مواضع البياض، فقال الحجام: ولا تزد، فقال: ولم؟ قال: لا يكثر؛ قال: فتتبعْ مواضعَ السواد لعله يكثر، وحكيت لشريك هذه الحكاية، فضحك، وقال: لو ترك أبو حنيفة قياسه، لتركه مع الحجام.
وقال ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري: يا عبد الله! ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة! ما سمعته يغتاب عدوًا له قط، فقال: هو أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهبها، ومناقبه وفضائله كثيرة، وقد ذكر الخطيب في "تاريخه" منها شيئًا كثيرًا، ثم أعقب ذلك بذكر ما كان الأليق تركه والإضراب عنه، فمثل هذا الإمام لا يشك في دينه، ولا في ورعه وبحفظه، ولم يكن يُعاب بشيء سوى قلة العربية.
ولد سنة 80، وتوفي سنة 150، وكانت وفاته ببغداد في السجن ليليَ القضاء فلم يفعل، هذا هو الصحيح. وقيل: إنه لم يمت في السجن، وقيل: توفي في