وأما الوصية للأباعد من الذميين فلا اختلاف في كراهة ذلك، لأن الوصية للمسلمين أفضل فالكراهة إنما تتعلق بإيثار الذميين على المسلمين لا بنفس الوصية للذميين؛ لأن في ذلك أجرا على كل حال، ففي موطأ ابن وهب عن مالك فيمن نذر صدقة على كافر أن ذلك يلزمه، وقال في موضع آخر: إن قال مالي صدقة على فقراء اليهود أن ذلك يلزمه يتصدق عليهم بثلث ماله، وقد قال الله عز وجل: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] . والأسير الكافر، فإذا أوصى إليهم شفقة عليهم لفقرهم جاز ذلك على كراهة؛ لأن الأجْر في الصدقة على فقراء المسلمين أحرى، والإشفاق عليهم ينبغي أن يكون أكثر، وقد أجاز أشهبُ الوصيةَ للذميين كانوا ذوي قرابة أو أجنبيين إجازة مطلقة دون كراهة، ومعنى ذلك في الأجنبيين والله أعلم إذا كان لهم حق من جوار أو يد سلف لهم إليه أو ما أشبه ذلك، وأما إن لم يكن لذلك سبب فالوصية لهم محضورة إذ لا يوصِى للكافر من غير سبب ويترك المسلمَ إلّا مُسلم سُوء مريض الإِيمان، قال الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [المجادلة: 22] إلى قوله: {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] وأما الوصية للحربي فإنها لا تجوز؛ لأن ذلك قوة لهم، ويرجع ذلك ميراثا ولا يجعل في صدقة ولا غيرها، وكذلك من أوصى بما لا يحل قال ذلك أصبغ في الوصية والله الموفق.
ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه وسئل: عن الرجل يقول عند الموت: سلاحي في سبيل الله أترى لِمَنْ أوصي إليه أن يجعله حبسا؟ قال: لا أرى ذلك له، ولكن يجتهد فيه.