قال محمد بن رشد: قولُهُ: لا أرى ذلك له يحتمل أن يكون معناه لا أرى ذلك عليه، أي لا يجب عليه أن يحبسه في السبيل؛ لأن الموصي لم ينص على أن تحبس في السبيل ولا على أن تبتل فيه، وإنما أوصى تجعل فيه فرأى له أن يجتهد في وجه جعلها فيه بما يراه إن رأى أن يحبسها فيه حبسها، وإن رأى أن يبتلها فيه بتلها؛ لأن له قد يكون بمعنى عليه في اللسان، قال الله عز وجل: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي عليها، ويحتمل أن يكون له على بابها ويكون المعنى في ذلك أنه رأى أن يبتلها في السبيل ولا يحبسها فيه، إذ لم ينص الموصي على تحبيسها على القول بأن من أعطى فرسا أو سلاحا في السبيل، فهو محمول على التبتيل حتى ينص عَلَى التحبيس، وهو ظاهر ما في رسم طلق بن حبيب ورسم باع غلاما ورسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد، ويكون الاجتهاد الذي جعله إليه بقوله ولكن ليجتهد فيه ألّا يبتلها إلّا لمن فيه خير وله دين، وهو من أهل النجدة والنكاية في العدو والعمل في الجهاد، فإذا بتل السلاح الموصي بها في السبيل لمن هذه صفته كان له أن يقاتل بها وأن يبيعها على نفسه فيما يحتاج إليه في غزوه وبالله التوفيق.
مسألة وسئل مالك: عن رجل أوصى بصدقة دينار من غلة له كلّ سنة أن يَشتري بها قمحٌ ويطعم المساكين، أترى أن يعطي بمد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو بمد هشام؟ قال: إن كان الطعام كثيرا فإنني أرى أن يعطي بمد هشام، وإن كان قليلا فبالمد الأصغر، فقيل له: فإنه أوصى مع ذلك أن يعطي المساكين درهما درهما لكل مسكين فَكَثُرَ