لأن شاهده فيه حاضر ظاهر، ورب اللؤلؤة مدع عليه التعدي؛ إذ لا يظهر فيها من صنعته إلا ما كان يجوز له أن يعمله، وهو له مقام شاهد؛ لأنه قد أذن له في العمل، وجعل ذلك إليه ومكّنه، وهو مدع عليه فيما يريد من الضمان، وكذلك كل صاحب صنعة على هذا الشرح.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه إن كان فيه تغرير من الأعمال مثل ثقب اللؤلؤة ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز للفران والثوب في قدر القصار، وما أشبه ذلك فإنه لا ضمان عليهم في شيء منه إلا أن يفرط أو يتعدى أو يأخذه من غير مأخذه بعمد أو جهل أو خطأ، وكذلك البيطار يطرح الدابة، فتموت من ذلك، والخاتن يختن الصبي فيموت من ختانته، والطبيب يسقي المريض فيموت من سقيه، والحجام يقلع ضرس الرجل فيموت من ذلك لا ضمان على واحد من هؤلاء في ماله، ولا على عاقلته؛ لأنه مما فيه التغرير، فكأن صاحبه قد عرضه لما أصابه، وهذا إذا لم يخطئ في فعله، وأما إذا أخطأ مثل أن يسقي المريضَ الطبيبُ مما لا يوافق مرضه أو تزل يد الخاتن والقاطع، فيتجاوز في القطع أو الكاوي فيتجاوز في الكي أو يد الحاجم، فيقلع غير الضرس التي أمر بها فهي جناية خطأ تكون على العاقلة إلا أن يكون أقل من الثلث فيكون ذلك في ماله، وذلك إن كان من أهل المعرفة، ولم يغر من نفسه، وأما إن غر من نفسه فعليه العقوبة من الإمام، واختلف في الدية، فقيل: إنها تكون عليه في ماله ولا يكون على العاقلة من ذلك شيء، وهو ظاهر قول مالك في سماع ابن القاسم وأشهب من كتاب السلطان، وقيل: إنه يكون على العاقلة من ذلك الثلث فصاعدا، وهو قول عيسى بن دينار ورواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الديات محمولة على ذلك، وبالله التوفيق.
من مسائل نوازل سئل عنها سحنون
وسئل سحنون عن صباغ: دفع عليه رجلان ثوبين ليعملهما،