الله تعالى خلق الماء طهورا، فهو يحمل ما غلب عليه من النجاسات، بخلاف ما عداه من الأطعمة والأدم المائعات. والفرق بينهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ماء بير بضاعة وما يلقى فيها من الأقذار والنجاسات فقال: «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته» ، وسئل عن الفارة تقع في السمن فقال: «انزعوها وما حولها فاطرحوه وإن كان مائعا فلا تقربوه» ، وهذا ما لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار، وإنما اختلفوا في جوازه للانتفاع به وبيعه، فمنهم من لم يجز شيئا من ذلك وهو مذهب ابن الماجشون من أصحابنا، ومنهم من أجاز جميع ذلك وهو مذهب ابن وهب من أصحابنا. ودليل رواية ابن القاسم عن مالك في رسم "الشجرة تطعم بطنين في السنة" من كتاب الصلاة في مسألة الصابون، ووقعت أيضا في سماع ابن القاسم من هذا الكتاب في بعض الروايات. ودليل رواية أشهب أيضا في كتاب الضحايا من العتبية. ومنهم من أجاز الانتفاع به ولم يجز بيعه، وهو مذهب ابن القاسم وأكثر أصحاب مالك، فوجب أن لا تحمل الرواية على ظاهرها وأن تتأول على ما ذهب إليه الجمهور مما يطابق الأصول، فنقول: إن معنى قوله: والطعام والودك كذلك؛ أي أن القطرة [من الطعام] والودك إذا وقعت أيضا في الماء الكثير لم تؤثر فيه ولا أخرجته عن حكمه من التطهير كما لم تخرج القطرة من البول أو الخمر الماء الكثير عن حكمه من الطهارة والتطهير. وقوله: إلا أن يكون يسيرا معناه إلا أن يكون الماء الذي وقع فيه شيء من ذلك يسيرا يتغير من ذلك بعض أوصافه فينجس بالنجاسة وينضاف بالطعام. فهذا تأويل سائغ تصح به الرواية على الأصول وما عليه الجمهور.
وقد روي أنه سئل علماء البيرة عن فارة انطحنت مع قمح في رحى الماء، فقالوا: يغربل الدقيق ويؤكل، فبلغ ذلك سعيد بن نمر من قولهم فقال: عليهم بحرز العجول، لا يؤكل على حال.