وكان الصعيد الأعلى مركز اهتمام الخلفاء العباسيين وأمرائهم في مصر، لأنه غني بمعادن التبر والزمرد من ناحية، ولأنه يقع على حدود مصر الجنوبية من ناحية أخرى، وتتجلى أهمية هذه المنطقة في نظر العباسيين، في أن الخليفة كان يعين من قبله والياً على أسوان، ولا شك أنه كان مما يهم الوالي الإشراف على منطقة المعادن في قفط وقوص وغيرهما وحماية حدود مصر من الغارات التي كان يشنها البجة والنوبة من حين لآخر. وليس ببعيد أن يكون ولاة أسوان قد رسموا خطة لضمان الإشراف على هذه المنطقة وحمايتها، مؤداها تشجيع القبائل القيسية التي كانت تنزل بادية العراق ونجد وشرقي شبه الجزيرة العربية، على النزوح إلى الصعيد الأعلى بنوع خاص، حتى يحدثوا لوناً من التوازن بين العناصر العربية هناك، وحتى يجدوا بين ظهرانيهم من الأعوان والموالين، ما يمكنهم من تنفيذ سياستهم في هذه المنطقة، وقد حدث في أواخر عصر المتوكل العباسي " 232 - 247هـ " أن هاجرت إلى مصر جموع كثيرة، من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وكانوا ينزلون اليمامة، فلما هاجروا إلى مصر، استقر فريق حول بلبيس في الحوف الشرقي؛ أما الغالبية منهم، فقد واصلوا رحلتهم جنوباً إلى الصعيد الأعلى، ومعهم أسراتهم، يقول اليعقوبي " وأكثر من بالعلاقي قوم من ربيعة من بني حنيفة من أهل اليمامة انتقلوا إليها بالعيالات والذرية ". ويروي المسعودي، في سنة 332هـ قصتهم فيقول: " وسكن في تلك الديار خلق من العرب من ربيعة بن نزار ابن معد بن عدنان، فاشتدت شوكتهم، وتزوجوا من البجة، فقويت البجة بمن صاهرها من ربيعة، وقويت ربيعة بالبجة على من ناوأها وجاورها من قحطان وغيرهم من مضر بن نزار ممن سكن تلك الديار ". وكان لربيعة فضل في منع البجة من الإغارة على الصعيد الأعلى وكفهم عن ذلك، وأدت مصاهرتهم إلى البجة، واستيلاؤهم على معدن الذهب بالعلاقي، إلى اتساع نفوذهم وكثرة أموالهم، فصارت لهم مرافق ببلاد البجة، واختطوا قرية تعرف بالنمامس وحفروا بها آباراً. ولم يكن هناك من القيسية ربيعة وحدها، بل كان في أسوان كثير من قبائل مضر وخلق من قريش، وأكثرهم ناقلة من الحجاز وغيره. وكان في معادن التبر قوم من بني سليم وغيرهم.